التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا 56 ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا 57 وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا 58 وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا 59}

صفحة 4447 - الجزء 6

  تعالى «فَأَعْرَضَ عَنْهَما وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ» من الذنوب، قيل: أعرض عنها أي: جحدها، عن الحسن. وقيل: ترك التدبر فيها «وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ» قيل: اشتغل بالدنيا فلم ينظر في ذنوبه وما عمل من السيئات، وقيل: نسي ذنوبه لقلة مبالاته بها وبأهوال الآخرة، وقيل: نسي ما لزمه من غضب اللَّه وعقابه بتلافه، وقيل: صار غافلاً عن ذنوبه شغلاً بالدنيا، عن أبي علي. «إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ» أغطية وستراً «أَنْ يَفْقَهُوهُ» يعلموه «وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا» أي: ثقلاً، وقيل: هذا وجه التشبيه، أي: أعرضوا عن الدين إعراض من جعل على قلبه كنه [وكأنَّ] في أذنه وقراً، ونظيره: {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا}⁣[لقمان: ٧] وقيل: المراد الإنكار بالأكنة، والوقر والختم علامات يجعلها اللَّه على قلب الكافر وأذنه ليتميز للملائكة، وقيل: أراد اشتغالهم بسماع القرآن وقلة الإصغاء إلى الحق، وأضاف ذلك إلى نفسه لأنه عند نزول القرآن وجد ذلك منهم كقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}⁣[إبراهيم: ٣٦] وقيل: المراد به الخذلان وأنهم حين أعرضوا واشتغلوا بالباطل بسوء اختياراتهم فصارت قلوبهم في أكنة وفي آذنهم وقرًا في معنى قول أبي مسلم. «وَإِنْ تَدْعُهُمْ» يا محمد «إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا» أي: لا يقبلون الحق «وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ» يعاقبهم «بِمَا كسَبُوا» من الذنب. «لَعَجَّلَ لَهُمُ