قوله تعالى: {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا 71 قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا 72 قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا 73 فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا 74 قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا 75 قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا 76 فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا 77}
  وإنما هو تحقيق ما كان قال له أولًا من جهته عن السؤال فـ «قَالَ» موسى عند ذلك «إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيء بَعْدَهَا» أي: عن شيء تفعله بعد هذا «فَلا تُصَاحِبْنِي» وفارقني، قيل: قال له قطعاً لعذره، وقيل: استحياء، وروي مرفوعاً، «قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنّي عُذْرًا» أي: أنت معذور في فراقي وقطع صحبتي «فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ» قيل: أنطاكية، عن ابن عباس. وقيل: أيلة، عن محمد بن كعب، قال الأصم: وليس هذا بشيء «اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا» أي: سألا الطعام، ويباح في سائر الشرائع الاستطعام للجائع، وربما يجب إذا خاف الضرر «فأبوا» امتنعوا «أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا» قيل: استطعماهم فلم يطعموهما واستضافاهم فلم يضيفوهما، وعن أُبَيٍّ بن كعب عن النبي ÷ أنه قال في قوله: «فَأَبوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا» قال: «كانوا أهل قرية لئام». «فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا» قيل: كان بناه رجل صالح، وكان على ظهر الطريق يمر من تحته الناس، وقيل: كان طوله في السماء مائة ذراع، عن وهب. وقيل: مائتي ذارع، وطوله على وجه الأرض خمسمائة ذراع «يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ» أي: كاد وقارب أن يسقط لأنه مال من أسفله، والجدار لا إرادة له، ولكن هذا من فصيح الكلام ومجازه، قال الشاعر:
  يُرِيدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِي بَرَاءٍ ... وَيَرْغَبُ عَنْ دِمَاءِ بَنِي عَقِيلِ
  ونظير ذلك:
  شَكَا إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُرَى ... صَبْرًا جَمِيلاً فَكِلاَنَا مُبْتَلَى