التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون 140}

صفحة 615 - الجزء 1

  والشهادة نقيض الغيبة، ومنه أخذت الشهادة.

  · الإعراب: الألف في قوله: «أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ» قيل: ألف استفهام، والمراد التوبيخ، ومثله {أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ٢٧}.

  و (من) في قوله: «مِمَّنْ كتَمَ» قيل: معناه ابتداء الغاية؛ لأنه تعالى ابتدأ الشهادة في التوراة والإنجيل، بصحة نبوة محمد ÷ ويجوز ابتداء الشهادة بأن الأنبياء كانوا على الحنيفية.

  · المعنى: ثم ذكر ضربا آخر من الحِجَاجِ، فقال تعالى: «أَمْ تَقُولُونَ» يعني اليهود والنصارى «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ» وهَؤُلَاءِ الأنبياء «كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى» وفي هذا احتجاج عليهم من وجوه:

  أحدها: ما أخبر به صاحب المعجز.

  والثاني: ما ذكر في الكتابين أنهم كانوا على الحنيفية.

  والثالث: أن الكتاب أنزل بعدهم.

  والرابع: أنهم ادعوا ذلك من غير برهان، فوبخهم اللَّه تعالى بهذه الوجوه.

  «قُلْ» يا محمد لهم «أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه» يعني أنه أخبر بأنهم كانوا على الحنيفية، فزعموا أنهم كانوا يهودًا أو نصارى، فلزمكم أن تكونوا أعلم من اللَّه، وهذا غاية الخزي، فقيل: معناه اللَّه أعلم، وخبره أصدق، وقد أخبر أنهم كانوا مسلمين، عن أبي علي.

  ويقال: إنما يقال هذا فيمن لا يعلم، وهم عَلِمُوُه وكتموه، فكيف يصح الكلام؟

  قلنا: من قال: إنهم على ظنٍّ وتوهم، فالكلام ظاهر، ومن قال: علموا وجحدوا معناه أن منزلتكم منزلة المعترض على ما يعلم أن اللَّه أخبر به، فلا ينفعه ذلك مع