قوله تعالى: {أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون 140}
  إقراره بأن اللَّه تعالى أعلم منه. «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ» قيل: من أظلم من هَؤُلَاءِ حيث كتموا شهادة لله عندهم، وقيل: ومن أظلم في كتمان الشهادة من اللَّه لو كتمها، وذلك نحو قولهم: مَنْ أظْلَمُ ممن يَجُور على الفقير الضعيف من السلطان القوي، وتقديره: يلزمكم أن لا أحد أظلم من اللَّه إذ كتم شهادة عنده، وهو الغني بنفسه، يعني لو كانوا يهودًا لأخبر بذلك في معنى قول أبي القاسم وأبي مسلم، والأول أوجه، وهو قول أبي علي وأكثر المفسرين، وقيل: كتم شهادة من عباد اللَّه، واختلفوا في تلك الشهادة التي كتموها، فقيل: كتموا الشهادة بأنهم كانوا على الإسلام، عن مجاهد والربيع، وقيل: كتموا الشهادة التي عندهم للنبي ÷ بصحة نبوته عن الحسن وقتادة وأبي علي، «عِنْدَهُ» يعني يعلمه. ويلزمه أداؤه «مِنَ اللَّه» أي من جهته؛ لأنه أوجب عليه إظهاره، ثم أوعدهم على ذلك ما هو جامع لكل وعد، فقال: «وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» يعني عالمًا بأعمالكم فكونوا على حذر، وقيل: ليس بغافل عما تعملون من كتمان الشهادة التي لزمكم القيام بها، واختلفوا فيمن أريد بالآية من اليهود، قيل: علماؤهم، لأنهم كتموا صفة النبي ÷، عن الحسن، وقيل: جميع اليهود والنصارى.
  · الأحكام: الآية تدل على حظر كتمان كل شهادة ووجوب إقامتها؛ لأنه وإن تعلق بما قبله، فالمعتبر عموم اللفظ، فيدخل فيه كتمان العلوم والديانات التي أوجب اللَّه تعالى إظهارها والدعاء إليها، ويدخل فيه الشهادات بالحقوق، ويدخل فيه الفتاوى.
  ويدل قوله: «وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» على وعيد عظيم؛ لأنه نبه أنه عالم بسرهم وعلانيتهم، يجازي كل أحد بعمله.