التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كهيعص 1 ذكر رحمت ربك عبده زكريا 2 إذ نادى ربه نداء خفيا 3 قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا 4 وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا 5 يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا 6}

صفحة 4517 - الجزء 6

  عن جماعة من المفسرين، فالكاف من: كافٍ، وكريم، وكبير، والهاء من: هاد، والياء من: رحيم، وحكيم، والعين من: عليم، وعظيم، والصاد من: صادق، وقيل: كاف: كلفهم، وهاء: هداهم، وياء: يده فوق أيديهم يجازيهم، وعين: عالم بأفعالهم، وصاد: صادق في وعده ووعيده فيهم، عن الكلبي. وقد بينا ما قيل فيه أن الأولى في ذلك هذه الثلاثة الأقوال التي ذكرناها.

  (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) قيل: معناه ذكر ربك عبده زكريا رحمة منه عليه، وإنما قدم (رحمة) لأن الذِّ كْر سبب الرحمة، وقدم ذكر السبب على المسبب، وقيل: ذكر لمحمد وأمته أخبار زكريا ليعلموا شأنه رحمة منه عليهم، والرحمة النعمة، وقيل: زكريا نفسه رحمة من اللَّه على المؤمنين من حيث دعاهم واقتدوا به «إِذْ نَادَى رَبَّهُ» أي: دعاه في محرابه «نِدَاءً خَفِيًّا» سرًا، عن ابن جريج. قيل: أخفاه عن قومه ليكون أبعد من الرياء وأفضل، فيكون أقرب إلى الإجابة، وقيل: أخفاه لأنه شيخ كبير يسأل الولد؛ لئلا ينسب إلى الخَرَفِ وقلة العقل، وقيل: أخفاه ليكون أبلغ في التضرع.

  ثم بيَّن دعاءه فقال سبحانه: «قَال» يعني زكريا يا «رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي» أي: ضعف «وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا» أي: عَمَّهُ الشَّيْبُ، عن أبي مسلم. وفي ذلك