التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا 26 فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا 27 ياأخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا 28 فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا 29 قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا 30}

صفحة 4549 - الجزء 6

  · المعنى: ثم بيّن تعالى ما جرى بينها وبين قومها بعد الولادة، فقال سبحانه: «فَكُلِي» أي: قال من ناداها من تحتها: كُلي يا مريم من هذا الرطب «وَاشْرَبِي» من هذا الماء «وَقَرِّي عَينًا» أبشري بهذا الولد وطيبي نفساً «فَإِمَّا [تَرَيِنَّ] مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي» قيل: في الكلام حذف، وهو من يسألك عن حالك فقولي «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا» قيل: صمتاً، عن ابن عباس، وأنس. وقيل: صوماً عن الطعام والشراب والكلام أي: إمساكاً، عن قتادة، والضحاك.

  ويقال: ما وجه أمرها بالصمت؟

  قلنا: قيل: ليكفيها الكلام، ولفظ بما يبرئ ساحتها، عن ابن مسعود، وابن زيد، ووهب. ويقال: كان من صام في ذلك الزمان لا يكلم الناس، فأذن لها في هذا القدر، وقيل: أمر أن تقول إشارة، وقيل: أمرها أن تقولها قطعاً، ثم تمسك عن الكلام بعده «فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا» قيل: كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الإنس «فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ» قيل: جاءت بالولد إلى غار، فمكث أربعين ليلة حتى طهرت من النفاس، ثم أتت به قومها، عن ابن عباس. وقيل: نهضت من عند الجذع فأتت به قومها قريرة العين سارة، فلما رأوها نسبوها إلى الفجور و «قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيئًا فَرِيًّا» أي: عظيماً من الأمر، عن مجاهد، وقتادة، والسدي.