قوله تعالى: {فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا 26 فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا 27 ياأخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا 28 فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا 29 قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا 30}
  تكلم ثم لم يتكلم بعد ذلك إلى أن بلغ الحد الذي يتكلم فيه الصبيان، وقيل: بل استمر الكلام في جميع أحواله، وهو الصحيح؛ لأنا إذا قلنا: إنه نبي فلا بد من استمرار نبوته وكلامه.
  ومتى قيل: كيف يكون نبياً مع صغر سنه، ونقصان جثته، أوَليس فيه تنفير؟
  قلنا: إنما تكون بعثة الصبي تنفيرًا إذا كان في نقصان العقل عن الحد المعتاد للصبيان، وأما إذا كان كمل عقله في الحال أعطاه المعجز، وآتاه الرسالة والكتاب، فهذا أقرب إلى القبول وأظهر في المعجز، وصغر سنه لا يمنع من ذلك.
  ومتى قيل: كيف يصير عاقلاً؟
  قلنا: العقل علوم ضرورية، فإذا خلقها اللَّه تعالى صار كامل العقل.
  ومتى قيل: كيف كان نبياً وهو يقول: جعلني نبيا، وهو عبارة عن الماضي؟
  قلنا: يحتمل الماضي، ويحتمل الحال، وكلاهما جائز إلا أن الظاهر أنه أوحى إليه قبل أن كلمهم وأعطاه المعجز.