التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا 41 إذ قال لأبيه ياأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا 42 ياأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا 43 ياأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا 44 ياأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا 45}

صفحة 4564 - الجزء 6

  قيل: أراد العبادة وهو ظاهر الكلام، وقيل: أراد الدعاء، وقيل: أراد الخضوع، وقيل: أراد الطاعة «[مَا] لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا» أي لا يكفيك شيئاً فلا ينفعك ولا يضرك، وقيل: أراد الأصنام، عن أكثر المفسرين. وقيل: أراد كل معبود عبده قومه من الشمس والقمر والنجوم والأصنام وغير ذلك، عن الأصم. وبَيَّنَ الكلامُ أن العبادة يستحقها المنعم بأصول النعم وهو الإله القادر العالم الحي القديم، ولما استحال من هذه الأوثان ذلك استحالت العبادة لها «يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ» قيل: علمت من علوم الدين ما لم تعلم، وقيل: من العلم بالقيامة وأحوالها، ومن وعد اللَّه ووعيده، وأن من عبد غير اللَّه يعذب، وقيل: من العلم، أي: من أسباب العلم، من الأدلة والوحي والنبوة ما لم يأتك «فَاتَّبِعْنِي» في الدين «أَهْدِكَ» أدلك وأرشدك «صِرَاطًا سَوِيًّا» أي: طريقاً مستوياً في الدين وهو طريق الحق، وقيل: طريق الجنة، وقيل: طريقاً تنجيك من النار «يَاأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيطَانَ» قيل: لا تطعه فيما يدعوك إليه فتكون بمنزلة من عبده، ولا شبهة أنهم لم يعبدوا الشيطان ولم يُصَلُّوا له ولكن من أطاع شيئاً فَقَدْ عَبَدَهُ، ويحتمل أن يكون المراد بالشيطان رؤساؤهم، والأول الوجه، وقيل: عبدوا الأصنام بدعاء الشيطان فكأنهم عبدوا الشيطان «إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا» أي: عاصياً «يَاأَبَتِ