التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا 41 إذ قال لأبيه ياأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا 42 ياأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا 43 ياأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا 44 ياأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا 45}

صفحة 4565 - الجزء 6

  إِنِّي أَخَافُ» قيل: هو من الخوف، وقيل: معناه أعلم، وإنما قاله شفقة عليه، فعلم معنى العلم لما علم استمراره على الكفر قال ذلك، وعلى معنى الخوف لم يقطع ولم يعلم؛ بل جوز كلا الأمرين: أن يستمر على الكفر فيستحق العقاب أو يتوب فلا يستحق، فما دام مكلفاً فكلا الأمرين فيه جائز ولذلك كان يدعوه إلي الإيمان «أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا» قيل: قريناً في النار، وقيل: ولياً، أي: لاحقًّا بالشيطان في اللعن والخذلان، واللاحق يسمى التالي، والذي يتلو الشيء والذي يليه سواء في المعنى، عن أبي مسلم. وقيل: يكون أمرك موكولًا إلى الشيطان حتى يلي أمرك، عن أبي علي. وقيل: يلي نصرتك الشيطان فلا ينفعك، وإنما قال: {تَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} ولم يقل وليك الشيطان؛ لأنه أبلغ في الفضيحة، وإنما أراد الزجر عن موالاة الشيطان لا تحقيق النصرة، يعني إذا لم يكن لك إلا نصره فأنت مخذول ولا ناصر لك.

  · الأحكام: تدل الآية على أن عادة الأنبياء البداية بالدعاء إلى التوحيد والعدل، ثم بيان الشرائع، وأنه الأهم، وأنه كذلك يجب على كل واعظ ومبين.

  ويدل قوله: {جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ}، {فَاتَّبِعْنِي} على أن الواجب اتباع الأدلة دون التقليد؛ لأنه بيّن أن سبب وجوب اتباعه ما جاءه من الأدلة.