التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم 143}

صفحة 624 - الجزء 1

  والعامل في الكاف «جَعَلْنَا» تقديره: نهدي من نشاء، وقد أنعمنا عليهم بذلك، وجعلناكم أمة وسطًا وأنعمنا كذلك الإنعام، إلا أن (جعلنا) يدل على أَنْعَمْنَا.

  · النزول: روي أن مرحبًا والربيع وجماعة من رؤساء اليهود قالوا لمعاذ: ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدًا، وإن قبلتنا قبلة الأنبياء، وهو يعلم أنَّا عدل بين الناس، فقال معاذ: إنا على عدل وحق، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية.

  وقيل: لما حولت القبلة قال ناس: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبْلتِنا الأولى؟، عن ابن عباس وقتادة والربيع، وقيل: قالوا: كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك؟ وكان مات سعد بن زرارة والبراء بن معرور، فأنزل اللَّه تعالى: «وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ»، ولا يجوز أن يكون الصحابة شَكَّتْ في صلاتهم حتى سألوا ذلك، فوجب حَمله على أنهم قالوا: لو أدرك إخواننا هذه الصلاة؟، أوعلى أنهم قالوا: فِعْلنا أفضل أم ذاك، أو على أنه قاله منافق فخاطب المسلمين بالرد عليهم، وإنما خاطب الأحياء، وإن كان السؤال وقع عن الأحياء والأموات تغليبًا.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى فضل هذه الأمة على سائر الأمم فقال تعالى: «وَكَذَلِكَ»، ولا بد من تعلق له بما تقدم، وقد ذكرنا ما قيل فيه، والأقرب ما قاله أبو القاسم. «جَعَلْنَاكم» قيل: باللطف الذي هو علم اللَّه تعالى أنه متى فعل بهم أجمعوا على الصواب، ولما كان سبب ذلك لطفًا جاز أن يضيفه إلى نفسه، وقيل: حكمنا لكم بذلك، ووصفناكم به «أُمَّةً» جماعة، يعني أمة محمد «وَسَطًا» قيل: عدلاً، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والربيع، وروي مرفوعًا، وقيل: خيارًا، وقيل: وسطًا بين الغالي في الأديان وبين المقصر، فيجعل لهم القصد والثواب، وفيه مع إيجاز اللفظ دليل أنهم في جميع أمورهم على الصواب، وقيل: لما غلت النصارى في المسيح، وقصر اليهود كان قول المسلمين أوسطهم وأعدلهم عند اللَّه ورسوله.