التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم 143}

صفحة 625 - الجزء 1

  ويقال: إذا كان في الأمة من ليس هذه صفته. فكيف وصفوا بذلك؟

  قلنا: المراد به من كان بتلك الصفة، ولأنه في كل عصر لا يخلو من جماعة هذه صفتهم.

  «لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» فيه ثلاثة أقوال:

  الأول: لتشهدوا على الناس بأعمالهم التي خالفوا الحق فيها، كقوله تعالى:

  {وَيَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} وقال ابن زيد: الأشهاد أربعة: الملائكة، والأنبياء، وأمة محمد ÷ والجوارح.

  الثاني: يشهدون الأنبياء على أممهم المكذبين أنهم قد بلغوا، وجاز ذلك لإعلام اللَّه إياهم.

  الثالث: «لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» أي حجة عليهم، فتبين للناس الحق، ويكون الرسول شهيدًا، مؤديًا ومبينًا للدِّين، قال الأصم: وسمي الشاهد شاهدا؛ لأنه يبين، ولذلك يقال للشهادة: بينة. «وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُمْ شَهِيدًا» قيل: حجة عليكم، وقيل: شهيدا بما يكون من أعمالكم، وقيل: شهيدًا بأنكم قد صدقتم وقبلتم، و (على) بمعنى اللام كقوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} أي للنصب. (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيهَا) قيل: بيت المقدس الذي كانوا يصلون إليها، وقيل: مكة والكعبة، والمراد التي أنت عليها، وقيل: يحتمل (كنت) بمعنى صرت عليها، وأنت عليها، يعني الكعبة، كقوله: {وكَاَنَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا} والمراد أنه بهذه الصفات لم يزل، وتقدير الآية: وما جعلنا القبلة التي لم تزل عليها، يعني الكعبة، عن أبي مسلم «إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبعُ الرَّسُولَ» قيل: ليَعْلَم حزبنا من النبي ÷ والمؤمنين، كما يقول الملك: جعلنا وفتحنا، بمعنى أوليائه، ومنه يقال: فتح عمر السواد.

  وقيل: معناه: ليحصل المعلوم موجودًا، وتقديره: لنعلم أنه موجود، ولا يصح الوصف قبل وجوده بأنه عالم بوجوده. وقيل: نرى ونميز، عن جماعة. وقيل: