قوله تعالى: {ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا 66 أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا 67 فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا 68 ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا 69 ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا 70}
  وألزمهم تعالى الحجة وبين المَحَجَّةَ فقال سبحانه: «أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنْسَانُ» حال ابتدائه «أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيئًا» موجوداً، أي: مذكورًا.
  ومتى قيل: كيف تدل الئشأة الأولى على الثانية، [أوَليس] الواحد منا يقدر على أفعاله كالحركات والسكنات والأصوات وغيرها ولا يقدر على الإعادة؟
  فجوابنا: فيه وجوه:
  أحدها: أن من خلق الأجسام والحياة فيها فكل واحد منهما مما يبقى فيقدر على إيجادها بعد الإعادة.
  وثانيها: أن الابتداء صعب، فإذا قدر عليه فأولى أن يقدر على الإعادة.
  وثالثها: أنه دل خلق الأجسام أنه قادر لذاته؛ إذ القادر بقدرة لا يقدر على الأجسام فإذا كان قادرًا لذاته والشيء فما يصح وجوده في وقتين جاز أن يعيد، وأما الواحد منا فيقدر بقدرة ولا يصح منه فعل الأجسام ولا إعادة شيء من أفعاله، وقيل: إن أفعالنا كلها لا تبقى فلا يصح عليها الإعادة.
  ومتى قيل: كيف قال: «وَلَمْ يَكُ شَيئًا» وعندكم المعدوم شيء؟
  فجوابنا: أن المراد لم يكن شيئاً مذكورًا كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}[الانسان: ١] أي: موجوداً، يدل عليه أنه خرج مخرج الامتنان، وأي نعمة في أن يقع عليه اسم شيء؟ إنما المنة في إيجاده حياً لنفعه.