التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا 87 وقالوا اتخذ الرحمن ولدا 88 لقد جئتم شيئا إدا 89 تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا 90 أن دعوا للرحمن ولدا 91 وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا 92 إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا 93 لقد أحصاهم وعدهم عدا 94 وكلهم آتيه يوم القيامة فردا 95}

صفحة 4620 - الجزء 6

  تقع «هَدًّا» قيل: كسرًا، عن ابن عباس. وقيل: قطعاً، عن مقاتل. وقيل: هدماً، عن عطاء. وقيل: سقوطاً، عن أبي عبيدة. «أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا» يعني أن هذه الأشياء لو كانت إنما تكون لأجل ادعائهم أن للرحمن ولداً يعني إذ وصفوه بذلك، وقيل: سموا له ولداً، وإنما عظم ذلك لأن إثبات الولد يقتضي حدوثه وخروجه من صفة الإلهية، ثم نفى ذلك عن نفسه غاية النفي فقال سبحانه: «وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا» أي: ليس من صفة الرحمن اتخاذ الولد، ثم دل عليه بما بَيَّنَ أن الولد من صفات المحدثين واللَّه قديم مالك جميع الأشياء فكيف يليق به الولد، فقال سبحانه: «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» يعني الخلق من الجن والإنس والملائكة «إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا» أي: يأتون ويقرون بالملك على أنفسهم وكلهم عبيده وخلقهم ورباهم ويجري عليهم حكمه «لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا» أي: أحصى أيامهم وأنفاسهم وأعمالهم فلا يخفنى عليه شيء من ذلك «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا» بعمله ليس معه شيء من الدنيا، وقيل: ليس معه عون ولا ناصر ولا ولد ولا جماعة يدفعون عنه، عن أبي علي. وإنما خص يوم القيامة لأن كل أحد يدعي في الدنيا المال والولد والرئاسة والربوبية، ويقر الجميع في القيامة بالعبودية لله تعالى.