التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {طه 1 ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى 2 إلا تذكرة لمن يخشى 3 تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى 4 الرحمن على العرش استوى 5 له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى 6 وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى 7 الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى 8}

صفحة 4633 - الجزء 6

  فأما من قال: إنه نزل على معنى، فاختلفوا، قيل: أَقْسم اللَّه بِطَولِهِ وهدايته، عن محمد بن كعب. وجواب القسم «مَا أَنْزَلْنَا»، وقيل: افتتاح اسمه طاهر وهادٍ، عن سعيد بن جبير. وقيل: معناه: يا طائعاً في الشفاعة للأمة، ولا هادي الأمة إلى الملة، وقيل: يا طاهرًا من الذنوب ولا هادياً للخلق إلى علام الغيوب، وإنما ذكرنا هذه الأقاويل وإن كان فيها ما يصح وما لا يصح ليدل على بطلان قول من يقول: إنه شيء لا يعرف معناه، وقد تكلم هَؤُلَاءِ السلف في معناه ولم يقل أحد منهم دعوا ذلك فإنه شَرٌّ.

  {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ} يا محمد (الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) قيل: لتتعب، لتصير به شقياً في الدنيا، وقيل: ما أنزلناه لتشقى به في الآخرة؛ بل لتسعد به، إذا بلغته وعملت بما فيه.

  وذكر أبو مسلم في قوله: {لِتَشْقَى} وجهين:

  أحدهما: أنك لا تؤخذ بفعل قومك ولا تلام وإنما عليك البلاغ، ونحو ذلك: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا}⁣[الاسراء: ٥٤].

  الثاني: لا تحزن عليهم ولا تعذب نفسك، فإنما أنزلنا القرآن تذكرة، فمن آمن فلنفسه ومن كفر فلا يحزنك كفره، نظيره {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}⁣[الكهف: ٦].