التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال فما بال القرون الأولى 51 قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى 52 الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى 53 كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى 54 منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى 55}

صفحة 4678 - الجزء 7

  ومتى قيل: لماذا لم يجب موسى #؟

  فجوابنا: لأنه سأل عن كيفية حالهم لا عن نفس أحوالهم، ولو سأل عن ذلك لقال: المؤمن في الجنة والكافر في النار، فأما كيفية تفصيل أحوالهم فالله أعلم به.

  «قَالَ» موسى «عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ» قيل: هو محفوظ عند اللَّه، عن أبي مسلم. وقيل: هو مسطور في اللوح المحفوظ، وقيل: أراد بالكتاب ما تكتبه الملائكة «لاَ يَضِلُّ رَبِّي» أي: لا يخطئ «وَلَا يَنْسَى» من النسيان، عن أبي مسلم.

  وقيل: هما شيء واحد، عن مجاهد. وقيل: {لَا يَضِلُّ رَبِّي} أي: لا يذهب عليه شيء، ثم وصف ربه فقال: «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرضَ مِهَادًا» وقيل: بل يتصل بما قبله من دلائل التوحيد، يعني جعل الأرض للعباد فرشاً ليتصرفوا عليها ويتهيأ لهم المعاش «وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا» أي: جعل لكم فيها طرقاً للذهاب والمجيء في أكنافها «وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ» قيل: هذا الكلام مبني على ما تقدم من كلام موسى، وقيل: بل تم كلامه، ثم استأنف الكلام من جهته تعالى فقال: «فَأَخْرَجْنَا بِهِ»، عن أبي مسلم. وهذا من تلوين الخطاب الذي تعده العرب من الفصاحة، وقيل: هو من كلام موسى، وأضافه إلى نفسه؛ لأنه يزرع فيخرج النبات، ثم قال: وربنا الذي قال: «كلوا»، «أَزْوَاجًا» أي: أصنافاً «مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى»