قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون 150}
  الثاني: أن الحجة بمعنى المحاجة، وتقديره: لئلا يكون للناس معكم حجاج إلا الَّذِينَ ظلموا فإنهم يحاجونكم بالباطل، والاستثناء على هذا متصل بما قبله.
  الثالث: زعم أبو عبيدة أن (إلا) بمعنى الواو، كأنه قيل: لئلا يكون للناس عليكم حجة، ولا الَّذِينَ ظلموا، وأنشدوا:
  وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوْه ... لَعَمْرُ أَبِيكَ إِلَّا الْفَرقَدان
  يعني: والفرقدان، وأنكر ذلك الفراء وأبو العباس، قال الفراء: ولا يجيء إلا بمعنى الواو إلا إذا تقدم استثناء، كما قال الشاعر:
  مَا بِالْمدِينةِ دارٌ غَيْرُ واحِدَةٍ ... دارِ الخليفةِ إلا دارَ مَرْوَانَ
  كأنه قال: ما بالمدينة دار إلا دار الخليفة ودار مروان، وقال أبو العباس: لا يجوز (إلا) بمعنى الواو أصلاً.
  الرابع: زعم قطرب أن فيه إضمارًا، وتقديره: لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا على الَّذِينَ ظلموا، وموضع (الَّذِينَ) خفض عنده؛ لأنه جعله بدلاً من الكاف والميم في (عليكم)، كأنه قيل: لئلا يكون عليكم حجة إلا على الَّذِينَ ظلموا فإنه يكون حجة عليهم، وهم الكفار، وقال علي بن عيسى: وهذان الوجهان يبعدان، والأول هو الصحيح.
  والخامس: أنه استثناء صحيح، والمراد بالناس أهل الكتاب، وأنهم وجدوا في كتابهم أن النبي ÷ يحول القبلة، فلما حولت القبلة بطلت حجتهم إلا الَّذِينَ ظلموا، فإنهم كتموا ما عرفوا، عن أبي روق.
  ويقال: لِمَ أثبتت الياء في «واخشوني» وحذفت في نظائره؟
  قلنا: الإثبات هو الأصل، وهو إجماع ههنا، وأما الحذف فللخفة، والأخير بالكسرة من الياء.