التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون 150}

صفحة 644 - الجزء 1

  «الَّذِينَ» موضعه نصب بالاستثناء، عن الفراء، وقيل: موضعه خفض، كأنه قيل:

  للذين ظلموا، فلما سقطت اللام حلت «الَّذِينَ» محلها، عن الكسائي.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما قطع حجاج المخالفين في أمر القبلة، فقال تعالى: «وَمِنْ حَيثُ خَرَجْتَ» مضى تفسيره «فَوَلّ وَجْهَكَ»، وفيه خلاف، كأنه قيل: فول وجهك في الصلاة، وإنما حذفت لدلالة الكلام عليه «شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» يعني نحوه.

  ويقال: لم كررت هذه الكلمة؟

  قلنا: فيه أقوال: قيل: المراد بالأولى حيث خرجت إلى النواحي التي كنت تصلي فيها إلى بيت المقدس «فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»، وأراد بالثاني سائر البلاد والأقطار من أي جهات الكعبة، عن أبي علي. وقيل: إنه صدر الآية به ليتعلق به قوله: «وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ» وأراد بيان حكم آخر يعلقه به، وأعاد ذكره كقوله: زيد عالم، زيد كريم، عن أبي مسلم. وقيل: أراد بإحدى الآيتين السفر، وبالأخرى الإقامة في المواضع، عن الأصم، وقيل: لاختلاف المواطن والأوقات التي يُحتاج إلى هذا المعنى فيها، وقيل: لأنه من مواضع التوكيد لما جرى من النسخ لتثبيت القلوب، وكل حسن «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ» قيل: لأهل الكتاب، عن قتادة والربيع.

  وقيل: هو على العموم «عَلَيكُمْ حُجَّةٌ» يعني: لا تعدلوا عما أمركم اللَّه به من التوجه إلى الكعبة فتكون عليكم حجة، يعني: لا تعدلوا عما أمركم اللَّه به بأن تقولوا: لو كنتم تعلمون أنه من عند اللَّه ما عدلتم عنه، عن أبي علي. وقيل: لئلا يكون لأهل الكتاب عليكم حجة لو جاء على خلاف ما تقدمت به البشارة في الكتب من أن المسلمين يتوجهون إلى الكعبة، وقيل: هم قريش واليهود، أما اليهود فيقولون: ما درى محمد أين قبلته حتى هديناهم، وأما قريش فقالوا: ترك قبلة إبراهيم. «إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ» بينا ما قيل في الاستثناء، وإنما اختلفوا في ذلك؛ لأن الظالم ليس له حجة، وإنما يورد ما يظنه حجة، وهي داحضة، فلذلك اختلف العلماء في وجه الاستثناء على الوجوه التي قدمناها.