قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون 150}
  واختلفوا مَنِ الَّذِينَ ظلموا؟ قيل: الناس على العموم، والَّذِينَ ظلموا: اليهود وقريش، أما قريش فقالوا: إنه علم أنه قبلة آبائه فرجع إليه، وسيرجع إلى ديننا، ويعلم أنه الحق، وأما اليهود فقالوا: لم ينصرف محمد عن قبلتنا عن علم، وإنما يفعله برأيه، ويزعم أنه أُمِرَ به، وقيل: الناس هم أهل الكتاب، والَّذِينَ ظلموا مشركو مكة، وحجتهم أنهم قالوا: إن محمدًا تحير في دينه فتوجه إلى قبلتنا، وسيرجع إلى ديننا، عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وقتادة والربيع والسدي. وقيل: هو على العموم، والَّذِينَ ظلموا يعني ظلموكم بالمقابلة وقلة الاستماع، هذه الأقوال على قول من يقول: إنه استثناء صحيح أو منقطع، وعلى قول أبي عبيدة وقطرب، والكلام ظاهر «فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ» قيل: خطاب للمسلمين لئلا يخافوا مَنْ تقدم ذكره من المتعنتين؛ إذ لا حجة لأحد عليهم ولا يد، «فَلاَ تَخْشَوْهُمْ» في التمسك بالإسلام والانصراف إلى الكعبة، واخشوا عقابي بأن تعدلوا عما أمرتكم به، وقيل: لأجل خشيتكم من الغير، لا تركبوا المعاصي «وَاخْشَوْنِ» بتركها فإني أكفيكم أمرهم «وَلأتُمَّ نِعْمَتِي» عطف على قوله: «لِئَلَّا»، وتقديره: لئلا يكون لأحد عليكم حجة (وَلأتُمَّ نِعْمَتِي عَلَيكُمْ) بخشية اللَّه دون خشية الناس ليتم نعمة الدين والدنيا، وقيل: لأتم نعمتي بهدايتكم إلى الكعبة التي هي قبلة الأنبياء، وأنه أصلح، فبين أنه حول القبلة لهذين الغرضين: زوال المقالة وتمام النعمة، وقيل: تمام النعمة في التحويل أن القوم كانوا يفتخرون باتباع إبراهيم، فلما حول القبلة إلى بيت المقدس لحقهم ضعف، قلت: فكان يحب النبي ÷ التحويل حتى حولت، فهذا تمام النعمة، عن أبي مسلم.
  وقيل: أتم النعمة بهدايتكم إلى الصلح لكم ولتتميزوا من اليهود بالقبلة كما تميزتم من سائر الأديان، عن أبي مسلم، «وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» قيل: لكي تهتدوا، و (لعل) من اللَّه واجب، عن الحسن وأبي علي وجماعة. وقيل: لتهتدوا إلى ثوابها، وقيل: إلى التمسك بها.
  · الأحكام: الآية تدل على أنه لا حجة لمخالفي الحق إلا من ظلم نفسه بإيراد الشبهة؛ ليدفع بها الحق فتكون داحضة، وهذا سبيل كل مبطل مخالف للحق.