قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون 150}
  وتدل على أنه ينبغي أن يخشى، ويجعل أوامره نصب عينيه، ويعلم أنه يراه في جميع أحواله؛ ليتقي معاصيه، ولا يعصيه لأجل خشية الناس.
  وتدل على أن تمام النعم نِعَمُ الدين، وأن نعم الدنيا كالتَّبَعِ لها.
  وتدل على أنه تعالى أراد اهتداء الخلق؛ لأن قوله: «وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» معناه: أراد بذلك هدايتكم.
  وتدل على وجوب التوجه إلى الكعبة سفرًا وحضرًا، ونسخ ما عدا ذلك من الجهات، وقد ذكر أبو مسلم في هذه الآيات الواردة في نسخ القبلة تشككًا في صلاة النبي ÷ والمؤمنين بمكة والمدينة فقال في قوله: «ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ»: لولا الأخبار لاحتمل أن يكون المراد ما ولى المسلمين عن قبلتهم «الَّتِي كَانُوا عَلَيهَا» يعني: قبلة السفهاء أي ما صرفهم عن ذلك؛ لأنهم لما رأوا المسلمين متوجهين نحو الكعبة كان ذلك عندهم بدعًا مستنكرًا، وذكر في قوله: «وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيهَا» لولا اتفاق العلماء ورواة الأخبار أنه صلى إلى بيت المقدس لاحتمل قوله: «كُنْتَ عَلَيهَا» صرت عليها كقوله: {وكَاَنَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} وقال في قوله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}: لولا الأخبار واتفاق العلماء في توجهه إلى بيت المقدس لاحتمل أن يكون هذا في مقدمه المدينة، فقد روي أنه كان ÷ إذا صلى بمكة جعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، وهذه صلاة إلى الكعبة لا إلى بيت المقدس، ودليل على أنه الحق عنده، فلما هاجر لم يدر أين يتوجه، ويحب أن يؤمر بالتوجه إلى الكعبة، فانتظر الوحي، فأتاه ما طَلَبَ وأحب، وهذا كله تخليط، وإنما دعاه إلى ذلك مذهب له أن النسخ في شرع نبينا لا يجوز ولا يثبت، وتأول الآيات المنسوخة على تأويل، وهذا لا وجه له؛ لأنه خلاف الكتاب والأخبار والنظر والإجماع.
  أما الكتاب فقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} يدل على بطلان قوله، وقوله: «سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ» وقال: «الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَليهَا» وظاهرها أنه كان على قبلة فَصُرِفَ إلى أخرى.
  وأما الأخبار فتظاهرت بأن القبلة نسخت حتى قال ابن عباس: أول ما نسخ من القرآن التوجه إلى بيت المقدس.