التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون 6 وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون 7 وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين 8 ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين 9 لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون 10}

صفحة 4787 - الجزء 7

  إيمان أولئك لا محالة، فلما لم يكن كذلك لأولئك لم يكن لهَؤُلَاءِ، وقيل: ما حكم اللَّه بهلاك قرية إلا أن المعلوم أنهم لا يؤمنون؛ فلذلك لم يأتهم بالآيات المقترحة «وَمَا أَرْسَلْنَا» من «قَبْلَكَ» يا محمد «إِلَّا رِجَالاً» وهذا جواب لقولهم: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}⁣[المؤمنون: ٢٤] وفيه احتجاج عليهم، أي: لو كان يجب كون الرسول إلى هَؤُلَاءِ من غير البشر؛ لوجب في أولئك، وما أرسلنا إليهم إلا رجالاً «نُوحِي إِلَيهِمْ» قيل: ما أرسل اللَّه امرأةً ولا رسولاً من الجن ولا من أهل البادية، عن الحسن. «فَاسْأَلُوا» يعني إن كنتم في شك من ذلك فاسألوا «أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» قيل: أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم، فقد كانت الرسل لا تأتيهم إلا من البشر، «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» قيل: أهل الذكر: أهل التوراة والإنجيل، عن الحسن، وقتادة. وقيل: الذكر: القرآن، وأهل الذكر هم المؤمنون، يعني المؤمنين العالمين بالقرآن، عن ابن زيد. وقيل: لما نزلت الآية قال أمير المؤمنين #: نحن أهل الذكر، عن جابر الجعفي.

  ويقال: لِم جاز أن يأمر أن يَسْأَلَ أهل الكتاب وهم كفار؟ ففيه وجهان:

  أحدهما: أنه يقع العلم لهم ضرورة، عن أبي علي.

  وقيل: لأن الجماعة الكثيرة إذا أخبرت عن مشاهدة فهي دلالة مؤدية إلى العلم.

  «وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا» يعني الرسل الأولين ما جعلناهم «لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ»