التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون 26 لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون 27 يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون 28 ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين 29 أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون 30}

صفحة 4809 - الجزء 7

  اتخذ اللَّه ولداً على سبيل التبني، وكلاهما لا يجوز عليه؛ لأن اتخاذ الولد من صفات الأجسام، وإذا لم يجز حقيقة فالمشبه به كذلك، والتبني أن يقيم غير ولده مقام ولده وليس كالخَلَّة؛ لأنه من الاختصاص، وحقيقته جائز عليه، فأما ما تزعمه النصارى في الأب والابن وروح القدس فغير معقول، فإن عندهم الجميع قديم، وعندهم أنه ثلاثة أقانيم جوهر واحد، فكيف يكون القديم ابناً، وكيف يكون الواحد ثلاثة.

  «سُبْحَانَهُ» أي: هو منزه عما وصفوه به؛ «بَلْ عِبادٌ» يعني ليس كما قالوا؛ بل الملائكة عباد له كغيرهم من العبيد «مُكْرَمُونَ» أي: أكرمهم بما استحقوا بجهدهم في طاعته وعبادته «لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ» أي: لا يتقدمونه بالقول والعمل، ولا يجاوزون حد أمره، ولاَ يقولون إلا بأمره، ولا يفعلون إلا بإذنه «وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» ومن كان بهذه الصفة لا يوصف بأنه ولده؛ إذ قاموا مقام العبد في العبادة «يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ» قيل: يعلم إقبالهم وإدبارْهمِ وإن كان ذلك يفعلونه بأمره، عن أبي مسلم. وقيل: باطنهم وظاهرهم «وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ