قوله تعالى: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 87 فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين 88 وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين 89 فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين 90}
  أوحى إليه لا يخالف، ولا تجوز المخالفة على اللَّه تعالى، ولأنه إذا علم أنهم يؤمنون وأنه يعفو عنه لا يجوز أن يغضب؛ لأنه اعتراض عليه في حكمه، وقيل:
  خرج مغاضباً لهم قبل أن يؤذن له، وظن أنه لا يُعَدُّ ذنباً فكانت صغيرة مغفورة من جهة تأويله أنه يجوز ذلك، ولأن عادة الأنبياء الخروج من بين أظهر القوم عند نزول العذاب «فَظَنَّ» يونس «أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» قيل: أن نضيق عليه، عن عطاء، وجماعة من المفسرين. وقيل: ظن أن لن نقضي عليه بالعقوبة، عن مجاهد، وقتادة، والضحاك، والكلبي، وأبي علي، والقدر بمعني القضاء، وقيل: هو استفهام بمعنى التوبيخ معناه: أفظن أن لن نقدر عليه، عن ابن زيد. وقيل: إنه عبارة عن فعله لا أن هناك ظناً كرجل يأمر عبده فرد عليه، فيقول: ظني أني لا أتمكن منه، وليس هناك ظن على الحقيقة؛ ولكن فَعَلَ فِعْلَ مَنْ يظن ذلك، وقيل: ظن أن لن يقضي عليه بالرجوع إلى قومه، والقدر بمعنى القضاء، وقيل: ألّا نشدد عليه، ولا نضيق في التكليف، فكان ذلك التشديد ما كلفه في بطن الحوت من الصبر وإقامة العبادات.
  وأما من قال: ظن أن لن نقدر على أخذه بمعنى نعجز عنه، فلا يجوز؛ لأن من جوز العجز على اللَّه تعالى كَفَرَ، ولا يجوز ذلك على أنبياء اللَّه تعالى.