التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 87 فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين 88 وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين 89 فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين 90}

صفحة 4877 - الجزء 7

  «فَنَادَى» دعا «فِي الظُّلُمَاتِ» قيل: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: حوت في بطن حوت آخر، عن سالم بن أبي الجعد. وروي أنه لما اقترع أهل السفينة وخرجت القرعة عليه ثلاث مرات، قام وقال: أنا العبد الآبق، وألقى بنفسه في الماء، وابتلعه حوت، ثم جاء حوت أكبر فابتلع ذلك الحوت.

  ثم اختلفوا كم مكث في بطنه، فقيل: أربعين من بين يوم وليلة، وقيل: سبعة أيام، وقيل: ثلاثة أيام، وأمسك اللَّه نفسه، ولبثه في بطن الحوت حياً معجزة له وليس بعقوبة؛ لأن العقوبة توجب العداوة، ولا يجوز أن يعاقب الأنبياء، ولكن يجوز أن يُؤَدَّبَ ويعمل به ما هو الأصلح له، وروي أنه تعالى أوحى إلى الحوت يعني أَلْهَمَهُ: خذه، ولا تخدش له لحماً، ولا تكسر له عظماً. «أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ» لما أراد السؤال والدعاء قدم ذكر التوحيد والعدل، يعني لا إله غيرك سبحانك أنت منزه عن كل قبيح في القول والفعل، لا تفعل إلا ما هو المصلحة، ثم أكد القول فقال: «إِنّي كُنتُ مِنَ الظالمينَ» لنفسي، قيل: بخروجي من غير إذنك، وقيل: معناه سبحانك أن تظلمني، إنما أنا ظلمت نفسي، ومعنى ظالم لنفسه قيل: بنقصان ثوابه في مقابلة صغيرته، عن أبي هاشم. وقيل: لأنه يلزمه التوبة عند تذكره ما دام التكليف باقياً «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ» أي: أجبنا دعاءه «وَنَجَّينَاهُ مِنَ الْغَمِّ». قيل: