التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين 91 إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون 92 وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون 93 فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون 94 وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون 95}

صفحة 4882 - الجزء 7

  «وَجَعَلْنَاهَا» أي: مريم «وَابْنَهَا» عيسى «آيَةً» أي: حجة على كمال قدرتنا ومعجزة لعيسى «لِلْعَالَمِينَ» للعقلاء، ووجه الحجة أنها ولدت من غير فحل، ثم تكلم عيسى في المهد ببراءة ساحتها، وكانت يأتيها رزقها من غير سبب، وتعب وهو في المهد، وآتاه الكتاب وهو في المهد «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً» قيل: دينكم دين واحد وهو الإسلام، عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد. فأبطل ما سوى الإسلام، وأصل الأمة الجماعة التي تَقْصِدُ أمرًا واحداً فجعلت الشريعة أمة لاجتماعهم بها على مقصد واحد، وقيل: أمتكم أمة واحدة يعني جماعة واحدة في أنها مخلوقة مملوكة لله تعالى.

  ومتى قيل: مَنْ هذه الأمة؟

  فجوابنا: قيل: أمة محمد ÷ كانت مجتمعة فتفرقت، وقيل: من تبع في التوحيد الأنبياء الَّذِينَ قص اللَّه خبرهم.

  «وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» دون غيري، وقيل: هذا تفسير لقوله: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً» أي: دينكم التوحيد «وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ» أي: اختلفوا في الدين بما لا يسوغ فصاروا فرقاً وأحزاباً «كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ» يعني من اجتمع ومن افترق راجع إلى حكمنا، وإلى الدار التي يحكم اللَّه فيها بين عباده، ولا يملك ذلك أحد سواه، فيجازيهم بأعمالهم «فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» قيل: الصالحات الطاعات كلها، وهو الوجه، وقيل: صلة الرحم، ومعونة الضعيف، ونصرة المظلوم،