التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم 25 وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود 26}

صفحة 4943 - الجزء 7

  والأول الوجه للظاهر «الَّذِي جَعَلْنَاهُ» قيل: بنيناه وخلقناه، وقيل: حكمنا بأنه «لِلنَّاسِ» لم يَخُصَّ به بعضاً كسائر الأبنية «سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ» قيل: هما سواء في تعظيم حرمته، وقضاء النسك فيه، وحق اللَّه الواجب فيه، عن مجاهد. وقيل: هما سواء في المنزل، فليس أحدٌ أولى بالمنزل من الآخر، وحرموا بهذا دور مكة، وكرهوا إجارتها أيام الموسم، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وابن زيد، وروي نحوه عن ابن عمر، وكان ابن عمر. يقول: سواء كله محرماً أو كدار مكة، وقيل: هما سواء بأنه لا يملكه أحد، وقيل: يستوي ثواب المقيم والداخل.

  واختلفوا في العاكف والبادي، فقيل: العاكف: المقيم فيه، والبادي: الجائي إليه من الآفاق، وقيل: هما المجاور والطارئ «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ» غير اللَّه، عن قتادة. كأنه قيل: من يُرِدْ ميلاً عن الحق بأن يعبد غير اللَّه ظلماً وعدواناً، وقيل: هو استحلال الحرام، وركوب الآثام، عن ابن عباس، والضحاك، وابن زيد، ومجاهد. وقيل: هو استحلال الحرام متعمداً، عن ابن جريج. وقيل: خص الحرم؛ لأن الذنوب فيه أعظم، وإلا فالمراد جميع المعاصي، وقيل: أراد الاحتكار، وروي عن علي بن موسى القمي مرفوعًا: «احتكار الطعام بمكة إلحاد»، وقيل: مَنْ قَصَدَ البيت بهدم وتخريب «نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ» موجع، أي: نعذبه عذاباً وجيعاً، وهو عذاب النار «وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ» قيل: أنزلناه فيه، عن الحسن. وقيل: وطَّأْنا، وقيل: جعلنا، عن ابن عباس. وقيل: دللناه عليه، عن مقاتل. وقيل: الجميع يرجع