التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين 17 وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون 18 فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون 19 وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين 20 وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون 21 وعليها وعلى الفلك تحملون 22}

صفحة 5036 - الجزء 7

  الحكمة «فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ» أي: جعلنا له الأرض مسكناً، يبقى فيه ثم يخرج ينابيع من الأرض على حسب ما يخرجه اللَّه تعالى «وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ» فيهلكوا عطشاً، وتهلك المواشي، وتخرب الأرض، وتيبس الأشجار، ومعنى الذهاب به قيل: تغور فلا يقدر أحد عليه بالإخراج، وقيل: بأن يفنيه، عن أبي علي. «فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ» أي: أحدثنا وخلقنا لنفعكم «بِهِ» أي: بسبب هذا الماء «جَنَّاتٍ» بساتين «مِنْ نَخِيلٍ وَأَعنابٍ» وإنما أجرى العادة بأن يخلقها عند السقي والماء، ولو شاء لخلق بغير ماء ولا هواء ولا أرض.

  ومما يدل على أنه الخالق لجميع ذلك و [أنها] لا تخرج بالطبع وجوه:

  منها: أن الطبع لا يُعْقَلُ؛ لأنه لا يعلم ضرورة، ولا دليل عليه.

  ومنها: أن كل ما يحدث لا بد له من مُحْدِثٍ حي قادر.

  ومنها: اختلاف الصور، والألوان، والطعوم، [والروائح]، مع اتفاق الهو اء والماء والأرض.

  ومتى قيل: لم خص النخيل والأعناب بالذكر؟

  فجوابنا: لأنهما ثمار الحجاز. وقيل: لأنهما أصول نعم كثيرة بخلاف غيرهما من الفواكه.

  «لَكُمْ فِيهَا» في الجنات «فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ» قيل: من الفواكه، وقيل: من الجنات، وقيل: من النخيل والأعناب «وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ» قيل: البركة، وقيل: جبل البركة، عن ابن عباس، ومجاهد، وقيل: معناه الجنس، عن قتادة،