قوله تعالى: {ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين 42 ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون 43 ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون 44 ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين 45 إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين 46 فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون 47 فكذبوهما فكانوا من المهلكين 48 ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون 49}
  ترتيب الأمور ووضعها في حقها، يعني ما يسبق أحد ما قُدِّرَ له ولا يتأحْز. «ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى» أي: متواترة يتبع بعضهم بعضاً، عن ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد. وقيل: تترى متقاربة الأوقات، «كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ» في رسالته وما جاء به «فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا» في الإهلاك، يعني أهلكنا بعضهم في إثر بعض «وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ» أي: يتحدث بهم على طريق المثل في الشر، وهو جمع أُحْدُوثَة، ويجوز أن يكون جمع حديث، إذ: لم يبق منهم إلا أخبارهم، وقيل: جعلناهم لِعَجِيب ما أنزلنا بهم يُتَحدث ويُتعجب منه، عن أبي علي.
  ومتى قيل: كيف جعلهم حديثاً، والحديث عَرَضٌ وهم أجسام؟
  قلنا: معناه أنه صيرهم بحالة لم يبق بين الناس منهم إلا حديثهم، فذكر أنه جعلهم حديثاً مجازاً وتوسعاً، قال الأخفش: إنما يقال هذا في الشر، فأما في الخير فلا يقال: جعلهم أحاديث وأحدوثة.
  «فَبُعْدًا لِقَوْم لاَ يُؤْمِنُونَ» أي: بعداً لهم من الرحمة «ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا» بحججنا «وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ» أي: حُجَّه بينة، وهي المعجزات التي أعطى موسى، وقيل: الآيات: أدلة التوحيد والعدل، والسلطان: المعجزات القاهرة لفرعون «إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ» يعني قومه، وقيل: أشراف قومه «فَاسْتَكْبَرُوا» أي: تعظموا وتكبروا عن الإيمان به «وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ» أي: متكبرين قاهرين للخلق ظلماً، وقيل: إنما