قوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون 96 وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين 97 وأعوذ بك رب أن يحضرون 98 حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون 99 لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون 100}
  أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» قيل: أعرض عن أذاهم ولا تعجل عليهم بالسيئة والقتال، ولكن بالعظة الحسنة، ونسختها آية السيف، وقيل: هو الإغضاء والمصالحة، عن الحسن، وقيل: أَخِّرْ القتال بما هو أحسن من الموعظة الجميلة، فإن لم يجيبوك فقاتلهم، ولا نسخ فيه، وقيل: ادفع بمعاشرتك الجميلة أذاهم عن نفسك، وقيل: ادفع باطلهم ببيان الحجج على ألطف الوجوه وأوضحها على وجه ترجى الإجابة والقبول «نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ» فنجازيهم به، «وَقُلْ» يا محمد «رَبِّ أَعُوذُ بِكَ» أي: أستجير بك «مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ» قيل: نزغاته، عن ابن عباس، وقيل: وساوسه، عن الحسن، وقيل: نفخه ونفثه، عن مجاهد، والكل متقارب، والمعنى: مِنْ دعائهم إلى الباطل والعصيان بكثرة الوساوس.
  ومتى قيل: كيف يدعو الشيطان رسول اللَّه ÷ إلى المعاصي وهو معصوم؟
  قلنا: في الآية الاستعاذة من همزه، وليس فيها كيفية ذلك، والمعنى فيه أنه يوسوس إلى الكفار، يغريهم بالكفر وأذى المسلمين، ويوسوس النبي ÷ بما يؤديه إلى ضيق صدره، فأمره اللَّه تعالى أن يستعيذ به حتى يرد الكفار عنه، يلطف له في الصبر.
  «وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ» في شيء من الأمور «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ» يعني هَؤُلَاءِ الكفار لا يقبلون النصح، ولا يتفكرون في العواقب، حتى إذا جاء أحدهم أسباب الموت، من معاينة الملائكة وأحوال الآخرة، قال عند ذلك: رب ارجعون إلى الدنيا.