قوله تعالى: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون 101 فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون 102 ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون 103 تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون 104 ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون 105 قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين 106 ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون 107 قال اخسئوا فيها ولا تكلمون 108}
  فأما قوله: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}[الصافات: ٥٠] فالقيامة مواطن في بعضها يتساءلون، وفي بعضها لا يتساءلون.
  «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ» أي: من كان ميزانه بالحساب أثقل، وقيل: مَنْ عظمت طاعاته، والمراد بالميزان معادلة الأعمال بالحق، عن قتادة، وقيل: الميزان الأعمال الحسنة، عن أبي مسلم، وقيل: هو ميزان له كفتان ولسان، عن الحسن، وأكثر المفسرين، وهو الظاهر، وهو الصحيح، واختلفوا فيما يوزن، قيل: الصحف، وقيل: علامات تظهر في الكفتين، وقيل: توزن الأشخاص، وليس بشيء «فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» الفائزون بالجنة الظافرون بالبغية «وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ» بالحسنات «فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ» أي: خسروا حظهم من الخير «فِي جَهَنَّمَ خَالِدون تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ» أي: يصيب وجوههم لفح النار ولهبها، «وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ» قيل: عابسون، عن ابن عباس، وقيل: تتقلص الشفاه، وتبدو الأسنان كالرؤوس المشوية، «أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي» يقال لهم توبيخاً على وجه الاستفهام والمراد به التقرير «أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي» حججي وأدلتي، وقيل: القرآن «تُتْلَى عَلَيكُمْ» تقرأ «فَكُنْتُمْ بِهَا» بالآيات «تُكَذِّبُونَ»، «قَالُوا» وهم في النار «رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا» التي اكتسبناها بأعمالنا، وقيل: الشقاوة المقدرة علينا، والأول الوجه لقوله: «وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ» وهذه الشقاوة التي غلبت عليهم معاصيهم التي شقوا بها، فلما كان ذلك سبب شقاوتهم سماه شقاوة، توسعاً من الشقاء، أي: نترك عبادة اللَّه، ونعبد حجرًا لا ينفع ولا يضر، ونترك الأدلة،