التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون 115 فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم 116 ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون 117 وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين 118}

صفحة 5104 - الجزء 7

  · المعنى: لما تقدم الأمر والنهي بَيَّنَ أنه خلقهم للتكليف لا للعبث، فقال سبحانه: «أَفَحَسِبْتُمْ» أي: أظننتم «أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا» قيل: لعباً وباطلاً لا لغرض وحكمة، وقيل: للعب والباطل دون العبادة «وَأَنَّكُمْ إِلَينَا» إلى حكمنا والموضع الذي لا يملك الحكم فيه غيرنا «لاَ تُرْجَعُونَ» وهذا استفهام والمراد الإنكار، أي: ما خلقناكم عبثاً، ولا بد من الرجوع؛ إذ لولا الرجوع والتعريض للثواب لكان الخلق عبثاً.

  ثم نزه نفسه عن ذلك، فقال سبحانه: «فَتَعَالَى اللَّهُ» أي: علا صفته من أن يفعل العبث والقبيح، وقيل: نزه نفسه عما وصفه به المشركون من اتخاذ الأولاد والأنداد «الْمَلِكُ الْحَقُّ» يعني من اعتقده إلهًا فقد اعتقد الحق «لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ» أي: لا حجة له «فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبّهِ» قيل: جزاؤه ومكافأته عند اللَّه، والمكافأة والمحاسبة بمعنى، وقيل: حساب أعماله «عِنْدَ رَبِّهِ» قيل: محفوظة عنده، وقيل: يحاسب عنده ويجازيه «إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ» أي: لا يظفر بما ظفر به المؤمنون من الجنة والثواب.

  ولما حكى أقاويل الكفار، ونزه نفسه عنها، أمر نبيه ÷ بالتبري منهم، والانقطاع إلى اللَّه تعالى، فقال سبحانه: «وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ» الذنوب