التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون 164}

صفحة 682 - الجزء 1

  وذكر ابن جرير عن عطاء أنه لما قدم النبي ÷ المدينة نزل قوله: «وَإلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ» فقال كفار قريش بمكة: كيف يسع الناسَ إلهٌ واحدٌ، فأنزل اللَّه تعالى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ...» الآية.

  وعن أبي الضحى: لما نزل قوله: «وَإلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ» جعل المشركون يتعجبون ويقولون: يقول إلهكم واحد، فليأتنا بآية إن كان صادقًا، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية.

  وعن سعيد بن مسروق قال: سألت قريش اليهود فقالوا: حدثونا عما جاءكم به موسى من الآيات، فحدثوهم بالعصا واليد وغيرها، وسألوا النصارى، فحدثوهم بإحياء الميت وإبراء الأكمه، فعند ذلك سألوا النبي ÷ أن يجعل لهم الصفا ذهبًا، فأوحى اللَّه تعالى إليه أن أعطهم ما سألوه، فإن لم يؤمنوا أعذبهم عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، فقال ÷: «ذرني وقومي أدعوهم يومًا بيوم» فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية مبينًا أنهم التمسوا ذلك ليزدادوا يقينًا، فخلق هذه الأشياء أعظم في الحجة.

  · المعنى: لما ذكر تعالى ما تقدم من التوحيد عقبه بذكر الأدلة مبينًا أنه لا يجوز العدول عنها، ومُعرِّفًا أنه أزاح العلة لمن تدبر ونظر فيها ودالّا به أنه إنما يعرف بأفعاله وما نَصب من أدلته كي لا يتكلوا على التقليد، فقال تعالى: «إِنَّ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» يعني في إنشائها مقدرًا على سبيل الاختراع «وَاخْتِلاَفِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ» قيل: كل واحد منهما يخلف صاحبه، إذا ذهب أحدهما جاء الآخر بعده، وقيل: اختلافهما في الجنس واللون والطول والقصر، عن عطاء وابن كيسان.

  ويُقال: لم قدم الليل؟

  قلنا: لأن الليل هو الأصل، والضياء طارئ؛ لأنه تعالى خلق الأرض مظلمة ثم خلق الشمس والقمر.