التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون 164}

صفحة 686 - الجزء 1

  المكلف يستحق الثواب، فلا بد أن يلطف فيعلم وجوب اللطف، وإذا عُلم أنه لا يجوز عليه القبائح يُعلَمُ كونه صادقًا، فيعلم صحة ما جاء به الوعد والوعيد، وإذا علم وجوب اللطف وقد يكون ذلك من فعل المكلف فلا بد من رسولٍ يبين، فعند ذلك يعلم وجوب النبوات وشرائطها من المعجز والعصمة ومعرفة الشرائع، وإذا تفكر فيها علم مسائل الأسماء والأحكام والوعد والوعيد والإمامة، وما يتعلق بالفعل كالصلاة والزكاة والحج، وما يتعلق بالترك كالشرك والقتل والزنا والربا، وجميع أحكام الشرع لا يخلو من هذين الوجهين فِعْلٍ أو ترك، فهذه جملة تدل عليها أفعاله بنفسها أو بواسطة تنبيه على تفصيل يطول.

  فأما الفصل الثالث: فكيفية دلالة كل واحد من هذه الأشياء على الصانع المدبر وصفاته:

  أما السماوات والأرض فتدل من وجوه:

  أولها: كونها مخلوقة محدثة، ولا بد من محدث إذا لم يخل من الحوادث.

  وثانيها: كونها مقدرة محكمة متسقة فتدل على مدبر حكيم عليم.

  وثالثها: أنهما قُدِّرا على وجوه تتكامل بها المصلحة من رفع السماء والانتفاع بالشمس والقمر، ودحو الأرض حتى صح مقرّا ومتصرفًا، وما فيها من أنواع النبات والأشجار تدل على صانع حكيم.

  ورابعها: سكونهما من غير علاقة، ولا مكان مع ثقلهما وعظمهما لا يصح إلا من صانع قادر وإلى ذلك أشار بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}.

  وخامسها: ما يستمر عليه أحوال النجوم السائرات والأفلاك الدائرات على طريقة واحدة مما يتم به مصالح الخلق في أرزاقهم ومعاشهم وحسابهم.

  فأما اختلاف الليل والنهار: فيدل من وجوه:

  أولها: نقيض ما صار به الليل والنهار من الضياء والظلام؛ إذ لا يقدر عليه أحد من الأجسام، ولا بد من محدث مخالف لها.