التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا 1 الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا 2 واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا 3 وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا 4 وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا 5}

صفحة 5267 - الجزء 7

  توبيخاً لهم في تركهم عبادة الخالق المقدِّر القادر القديم، إلى عبادة مخلوق مدَبَّر مُحْدَث هو [يعني: اللَّه]، خَلَقَها وقدرها.

  ثم بين وجهاً آخر في تقبيح فعلهم، فقال سبحانه: «وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا» بعد الموت، فأشار إلى أنها لا تملك شيئاً في الدنيا ولا في الآخرة، وإذا لم تملكه لنفسها، فلأن لا تملكه لغيرها أولى، [و] من كان بهذه الصفة لا يستحق العبادة، ولا يكون إلهاً.

  ولما حكى قولهم في الإلهيات ورد عليهم بَيَّنَ قولهم في النبوات، فقال سبحانه: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا» يعني القرآن «إِلَّا إِفْكٌ» كذب «افْتَرَاهُ» اختلقه محمد «وَأَعَانَهُ عَلَيهِ قَوْمٌ آخَرُونَ» قيل: اليهود، عن مجاهد، وقيل: كاهن يسمى عبيداً، عن الحسن، وقيل: حَبْر، وَيسَار، وكانا يقرآن التوراة، فرد اللَّه عليهم فقال سبحانه: «فَقَدْ جَاءوا» يعني قائل هذه المقالة «ظُلْمًا وَزُورًا» قيل: ظلموا الرسول برده وتكذيبه، وقيل: ظلموا أنفسهم بقولهم، وقيل: ظلموا كتاب اللَّه «وزُورًا» أي: كذباً لنسبتهم كتاب اللَّه إلى الإفك.

  ومتى قيل: أيكفي في جوابه هذا القدر؟

  فجوابنا: لما تقدم التحدي وعجزوا عنه، كفى هاهنا التنبيه على ذلك، وقيل: إذا بَيَّن أنه من قبله بطل ما قالوه، وقيل: هم ادعوا دعوى لم يأتوا ببينة فرد عليهم.