التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما 6 وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا 7 أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا 8 انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا 9 تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا 10}

صفحة 5271 - الجزء 7

  · المعنى: ثم بين تعالى الرد عليهم في قولهم في القرآن ما تقدم، فقال سبحانه: «قُلْ» يا محمد «أَنزَلَهُ» أي: أنزل القرآن «الَّذِي يَعْلَمُ السّرَّ» أي: الغيب، عن أبي علي «فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» يعني لو كان من كلام البشر لَعَلِمَهُ، ويبين ذلك ولأبطله ولكان يقدر غيره على مثله، فَعَجْزُ الكل يدل على أنه كلامه تعالى، وقيل: أنزله على ما يقتضيه العلم بباطن الأمور لا على هوى النفوس «إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا» فلرحمته ومغفرته قدم الإنذار ولم يعاجل بالعقوبة، وقيل: لعلمه بالأسرار علم المصلحة فيما ينزل، ومن ينزل عليه، ووقت الإنزال، ولرحمته فعل ذلك على ما علم، «وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ» كما نأكل «وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ» يلتمس المعاش، كما نفعله نحن، وقيل: يأكل ويمشي كما نفعل، فهو بشر مثلنا «لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا» أي: يصدقه ويدعو معه الخلق، وكل هذا يبين عجز القوم عن الحجة؛ لأنهم قالوا مرة: سِحْرٌ، ومرة: كَذِبٌ، ومرة: مُخْتَرَعٌ، ومرة: يأخذ من غيره، ومرة: يقترح، ومرة: يعيب بما ليس بعيب، وكل ذلك كلام المضطر، «أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ» ينفقه فلا يحتاج إلى طلب المعاش، «أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ»