التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا 21 يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا 22 وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا 23 أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا 24 ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا 25 الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا 26}

صفحة 5289 - الجزء 7

  قيل: الهباء الذي يرى في كوة البيت مع شعاع الشمس كالغبار، عن الحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقيل: هو ما تَسْفِيهِ الرياح، وتذريه من التراب، عن قتادة، وسعيد بن جبير، وقيل: هو الغبار، عن ابن زيد، وقيل: الماء المهراق، عن ابن عباس، وهذا مَثَلٌ، يعني: تذهب أعمالهم باطلاً لا ينتفعون بها من حيث عملوها لغير اللَّه، وأبطلوها بالكفر «مَنْثُورًا» متفرقاً، «أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ» يعني يوم القيامة إذا دخلوا الجنة «خَيرٌ مُسْتَقَرًّا» ومصيرًا من مستقر أهل النار ومصيرهم، وقيل: خير من مستقر الكفار في الدنيا والآخرة، وقيل: هو على المظاهرة في الحجاج، أي: لو كان لهم مستقر خير كان هذا خيرا منه، {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} قيل: المقيل عبارة عن المقام؛ لأن الموضع الذي يَقِيلُ فيه الإنسان موضع إقامة، وقيل: أراد به مكان الراحة، وقيل: لأنه يفرغ من حسابهم إلى وقت القائلة، وهو نصف النهار، فيدخلون الجنة، عن ابن عباس، وإبراهيم، وابن جريج، قال ابن مسعود: لا ينصف النهار يوم القيامة حتى يَقِيلَ هَؤُلَاءِ في الجنة، وهؤلاء في النار، ثم قرأ: (إن مقيلهم لإلى الجحيم)، هكذا كان يقرأ.

  ومتى قيل: المستقر والمقيل واحد، فلم ذكرهما؟

  قلنا: قيل: مستقرهم في الجنة، ومقيلهم في الفردوس، عن ابن عباس، وقيل: ذكرهما تأكيداً، وقيل: لأن المستقر موضع الإقامة، والمقيل موضع الراحة والدعة، وإن لم يكن في الجنة نوم إلا أنه يصلح للنوم.

  «وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ» يعني وترون الملائكة يوم تشقق السماء فيه «بِالْغَمَامِ»، «وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا» قيل: معناه تشقق السماء وتنزل الملائكة في الغمام، كما ينشق