التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا 31 وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا 32 ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا 33 الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا 34 ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا 35 فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا 36 وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما 37 وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا 38 وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا 39 ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا 40}

صفحة 5299 - الجزء 7

  ثم بين وجه المصلحة في إنزاله متفرقاً، فقال سبحانه: «كَذَلِكَ» أي: كذلك أنزلناه «لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ» لنقوي به قلبك فيعيه ويحفظه، والفائدة فيه أن الكتب نزلت على أنبياء يكتبون ويقرأون، فنزل عليهم مكتوباً، والقرآن نزل على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ، وأيضاً في القرآن ناسخ ومنسوخ، ومنه ما هو جواب للسؤال، ومنه ما هو حكاية شيء جرى، وكان إنزاله متفرقاً واجباً، وأيضاً فالمصلحة قد تكون في إنزاله متفرقاً، وأيضاً كان إذا نزل عليه جبريل # في كل وقت أربط جأشا، وأقوى قلباً من أن ينزل مرة واحدة، «وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا» قيل: رَسَّلْناهُ رسلاً، عن ابن عباس، وقيل: فرقناه تفريقاً، آية بعد آية وشيئاً بعد شيء، وكان بين أوله وآخره نحواً من ثلاث وعشرين سنة، عن إبراهيم، والحسن، وقيل: فسرناه تفسيرًا، عن ابن زيد، والترتيل: التبيين، كأنه قال: فَصَّلناه وبيناه «وَلَا يَأْتُونَكَ» يا محمد هَؤُلَاءِ المشركون «بِمَثَلٍ» يضربونه، وصفة يذكرونها في إبطال أمرك «إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ» الذي يبطل أمرهم، وقيل: لا يحتجون بشيء إلا أوردنا ما يقطع حجتهم «وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا» أي: بياناً، كأنهم أتوا ما ليس بحجة، فعارضهم بالحجة؛ لأنهم قالوا: لو كان نبياً لكان له كنز، وهذا ليس بحجة بأن قال: فأتوا بمثل هذا القرآن.