التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب 166 وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار 167}

صفحة 697 - الجزء 1

  الثاني: كما أواهم العذاب يريهم أعمالهم حسرات؛ لأنهم أيقنوا بالهلاك، فكل واحد من العامل فيه يريهم.

  · المعنى: لما تقدم ذكر الَّذِينَ اتخذوا الأنداد بيَّن حالهم يوم القيامة، فقال تعالى: «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا» قيل: القادة والرؤساء من مشركي الإنس، عن قتادة والربيع وعطاء.

  وقيل: هم الشياطين الَّذِينَ اتبعوا بالوسوسة من الجن، عن السدي. وقيل: شياطين الإنس والجن. وقيل: من كانوا يدعونه شريكا وإلهًا، عن أبي مسلم. والأظهر هو الأول، بيّن تعالى أن الَّذِينَ أفنوا عمرهم في اتباعهم كان عاقبة أمرهم أن تبرؤوا منهم أحوج ما كانوا، وهذا التبري يحتمل أن يقع منهم بالقول، ويحتمل أن يكون عند نزول العقاب «مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا» يعني المتبوعين من الأتباع السفل «وَرَأَوْا الْعَذَابَ» وعاينوا حين دخلوا النار «وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ» فيه سبعة أقوال:

  الأول: الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها، عن مجاهد وقتادة والربيع.

  الثاني: الأرحام التي كانوا يتعاطفون بها، عن ابن عباس وابن جريج.

  الثالث: الأعمال التي كانوا يؤتونها، عن ابن زيد والسدي.

  الرابع: العهود والحلف الذي كان بينهم يتوادون عليه، عن ابن عباس.

  والخامس: ما كانوا يتواصلون به من الكفر، فكان بها تقاطعهم، عن الأصم.

  السادس: المنازل التي كانت لهم من الدنيا، عن الضحاك والربيع بن أنس.

  السابع: أسباب النجاة تقطعت بهم، عن أبي علي.

  قال القاضي: والظاهر دخول الكل فيه؛ لأنه كالنفي، فيعم الكل، فكأنه قيل:

  وزال عنهم كل سبب يمكن أن يتعلق به حتى لا ينتفعوا بالأسباب على اختلافها من منزلة ونسب وسبب وحلف وعقد وعهد على ما كانوا ينتفعون به في الدنيا، وذلك نهاية في الإياس، وقيل: معنى «بِهِمُ» عنهم «وَقَال الَّذِينَ اتَّبَعُوا» يعني الأتباع للقادة «لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً» أي عودة ورجعة إلى دار الدنيا وحال التكليف، وهذا تَمَن منهم «فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ» يعني من القادة في الدنيا «كَمَا تَبَرَّؤُوا مِنَّا» في القيامة.