التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب 166 وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار 167}

صفحة 698 - الجزء 1

  ويقال: الَّذِينَ تمنوه هذا القدر أم غيره؟

  قلنا: بل مفهوم الكلام أنهم تمنوا لهم في الدنيا ما يقارب العذاب، فيتبرؤون منهم، ولا يُخَلِّصُونَهم بنصرة كما فعلوا هم يوم القيامة، وتقديره: فلو أن لنا كرة فنتبرأ منهم، وقد دهمهم مثل هذا الخطب كما تبرأوا منا والحال هذه؛ لأنهم لو تبرؤوا مع السلامة قلت فائدتُه.

  «كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّه أَعْمَالهَمْ حَسَرَاتٍ» فيه أربعة أقوال:

  الأول: الطاعات لِمَ ضيعوها؟، عن عبد اللَّه والسدي وأبي القاسم، كما يقال:

  جد في عملك يعني. ما هو أولى بك.

  الثاني: المعاصي وأعمالهم الخبيثة، عن الربيع وابن زيد وأبي علي وأبي القاسم، يتحسرون لَمِ عملوها؟.

  الثالث: ثواب طاعاتهم، يعني ما عملوا من خير حيث أحبطوه بالكفر، عن الأصم.

  الرابع: أعمالهم التي تقربوا بها إلى رؤسائهم من تعظيمهم والائتمار لأمرهم، والظاهر أن المراد الأعمال التي فيها اتبعوا القادة وهو كفرهم ومعاصيهم، وإنما تكون حسرة بأن رأوها في صحفهم، وأيقنوا بالجزاء عليها، وكان يمكنهم تركها والعدول إلى الطاعات، وفي هذا الوجه الإضافة حقيقة؛ لأنهم عملوها، وفي الثاني مجاز بمعنى لزمهم، فلم يقوموا به «وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ» يعني مخلدون فيها، ولا ينقطع العذاب بموت وغيره.

  · الأحكام: الآية تدل على بطلان التقليد بما حصل بين المتبوع والأتباع من التبري.

  وتدل على الخلود في النار فيبطل قول جهم وأكثر المفسرين على أن الآية واردة في الكفار، عن ابن عباس وغيره، ولولا ذلك لكان الظاهر يجمع الكفار والفساق وأهل البدع خصوصًا علماء السوء حيث يدعون إلى الاعتقادات الفاسدة.