قوله تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما 67 والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما 68 يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا 69 إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما 70 ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا 71}
  وأنفقوا وبذلوا، عن مقاتل، «وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا» أي: بين السرف والإقتار قواماً عدلًا وبسطاً، وعن يزيد بن حبيب: هَؤُلَاءِ هم أصحاب محمد صلى اللَّه عليه وعلى آله كانوا لا يأكلون للتنعم، ولا يلبسون للجمال، ولكن يأكلون من الطعام ما يسد جوعتهم، ومن الثياب ما يستر عورتهم، «وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ» أي: لا يعبدون معه غيره «وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ» قتلها «إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ».
  ومتى قيل: لِم استثنى في القتل بالحق، ولم يستثن في الزنا؟
  قلنا: لأن في الشرع استيفاء قتل بحق، كالقتل بالردة والقصاص والزنا والسعي في الأرض بالفساد، وليس في الشرع زنا مباح، ولذلك لم يستثن.
  «وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ» أي: كل واحد مما تقدم؛ لأنه لا يلزمه العذاب بكل واحد، عن أبي مسلم، وقيل: إشارة إلى الجميع، وليس بالوجه. «يَلْقَ أَثَامًا» أي: إثماً، عن ابن عباس، والمعنى جزاء الإثم، قيل: عقوبة، عن أبي عبيدة، وقيل: الآثام اسم من أسماء جهنم، وقيل: «موضع في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار»، وروي ذلك مرفوعاً. وقيل: واد في جهنم فيه حيات وعقارب، عن مجاهد. «يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ» يعني يستحق على كل معصية عذاباً فيضاعف لتضاعف المعاصي «وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا» أي: يدوم في العذاب ذليلًا. «إِلَّا مَنْ تَابَ» من ذنوبه «وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا» هو أداء الواجبات واجتناب الكبائر «فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ» يعني يمحو السيئات بالتوبة، ويكتب ثواب التوبة بدلها، وقيل: يغفر السيئات ويقبل الحسنات، فيحبط العقاب، ويوجب الثواب، وقيل: يبدلهم بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن أعمالهم في الإسلام، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير،