التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين 10 قوم فرعون ألا يتقون 11 قال رب إني أخاف أن يكذبون 12 ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون 13 ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون 14 قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون 15 فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين 16 أن أرسل معنا بني إسرائيل 17 قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين 18 وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين 19 قال فعلتها إذا وأنا من الضالين 20}

صفحة 5344 - الجزء 7

  وجادلوه، فقال سبحانه: «وَإذْ نَادَى رَبُّكَ» أي: دعا اللَّه «مُوسَى» وذلك حين أتى الطُّورَ لما رأى نارًا في تلك الليلة التي كان انصرف من مدين قاصداً مصر «أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» يعني قوم فرعون، قيل: ظلموا أنفسهم بالكفر، وقيل: ظلموا بني إسرائيل بالاستعباد والقتل «قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلاَ يَتَّقُونَ» قيل: معناه هلا اتقوا الكفر والمعاصي، وقيل: هو استفهام وأراد به التوبيخ، وقيل: هو تعجيب إذ تركوا الإيمان مع كثرة الشواهد، وقيل: معناه أنهم لا يتقون فَأْتِهِمْ وادعهم ليتقوا «قَال» موسى «رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ، وَيَضِيقُ صَدْرِي» بتكذيبهم «وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي» في تلك الحال أي: لا ينبعث الكلام والتبليغ للعقدة التي فيه، وقيل: معناه يضيق صدري ولا ينطلق لساني في تلك الحال، وقيل: فيه تقديم وتأخير، وتقديره: إني أخاف أن يكذبون ولا ينطلق لساني، فيضيق صدري في تلك الحال، وقيل: أراد إذا سمعت المحال في الدين يضيق صدري، وقيل: خاف التقصير فأبلى العذر قبله «فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ» يُعينني ويؤازرني في التبليغ، وقيل: معنى (إلى) معنى (مع)، كقوله: {مَنْ أَنصارِي إِلَى اللَّهِ}⁣[الصف: ١٤] أي: مع اللَّه، قيل: وطلب المعاونة حرصا على القيام بالطاعة «وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ» قيل: دعوى ذنب وهو قتل القبطي، عن مجاهد.» «فَأخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ» به «قَالَ» اللَّه تعالى «كَلَّا» يعني لا يكون كما ظننت، ولا يقتلونك وأنت آمن «فَاذْهَبَا» يعني موسى وهارون «بآيَاتِنَا» بحججنا «إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ» سماع من يعينك ويحفظك، قيل: سامعون لما تقولون وما يجيب أولئك، وأراد تقوية قلبيهما، وقيل: معناه إنا مستمعون، وقيل: (مستمعون) جاز من وجهين: أحدهما: من جهة الجمع، وإنما ذكر للتفخيم، والثاني: أن مستمعًا بمعنى سامع؛ لأن الاستماع طلب السماع «فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولُ رَب الْعَالَمِينَ» وقد بينا معنى رسول «أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ» ولا تستعبدهم ولا تقتلهم، قيل: كان استعبدهم أربعمائة سنة، وقيل: أَقَلَّ، وفي الكلام حذف كأنه قال: فانطلقا إلى فرعون بمصر، وبلَّغا الرسالة ف «قَالَ» يعني فرعون لموسى # «أَلَمْ نُرَبِّكَ»، فقيل: بقيا على بابه سنة حتى أذن لهما وأديا الرسالة، فلما نظر إلى موسى عرفه، فقال له على وجه الاستفهام: «أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا» يعني ألست الذي ربيناك وأنت صبي صغير قيل: قاله إظهارًا لنعمته عليه، وقيل: بل قاله إنكارًا لرسالته، وقيل: يحتمل أنه سأله ليعلم أهو هو على الحقيقة أم لا «وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنينَ» قيل: ثلاثون سنة «وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ» يعني قتل