التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين 21 وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل 22 قال فرعون وما رب العالمين 23 قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين 24 قال لمن حوله ألا تستمعون 25 قال ربكم ورب آبائكم الأولين 26 قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون 27 قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون 28 قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين 29 قال أولو جئتك بشيء مبين 30}

صفحة 5349 - الجزء 7

  تستخدمهم، فلما سمع فرعون موسى ودعاه إلى اللَّه تعالى وعبادته «قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ» وهذا السؤال يحتمل ثلاثة أوجه:

  أولها: أن يكون عارفاً بِاللَّهِ وأنه الخالق الرازق، فيكون سؤاله تلبيساً على الخلق، كأنه يقول: لا أعلم الذي تدعو إليه فإلامَ تدعو.

  وثانيها: أن يكون قائلاً بقدم العالم والطبائع منكرًا للصانع؛ لأنه ومن حوله علموا يقيناً أنه لم يخلق شيئاً من السماوات والأرض والخلق.

  وثالثها: أن يكون سأله عن كيفيته وماهيته وجنسه جهلاً منه، فذكر موسى # بأقصى ما يمكن، ولم يعول على صورة ولا على بيان كيفية؛ بل دله بأفعاله ف «قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» أي: خالقهما «وَمَا بَينَهُمَا» من الخلق «إنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ» قيل: موقنين أنه خلقها، عن الكلبي. وقيل: كانوا عارفين معاندين متعنتين، وقيل: معناه إن كنتم موقنين أنه لا بد لهما من مُحْدِثٍ، وعلمتم أنكم لم تحدثوهما، وقيل: معناه إن كنتم تريدون اليقين فهو ما أخبرتكم، عن أبي مسلم. «قَال» فرعون «لِمَنْ حَوْلَهُ» من أشراف قومه، وقيل: كانوا خمسمائة رجل عليهم الأسورة «أَلاَ تَسْتَمِعُونَ» ما يقوله، تعجيباً لهم من قول موسى، وقيل: إنما قال ذلك يعني أسأله عن ماهية رب العالمين، وهو يجيب عن أفعاله؛ لأنه لم يعلم أنه تعالى لا يُدْرَكُ بالحواس، ولا هو جنس يشار إليه، وإنما يُعْرَفُ بأفعاله، ف «قَالَ» موسى # «رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ» يعني خالق الجميع، وإنما ذكر ذلك لزوماً للحجة؛ لأنهم علموا ضرورة أنهم وُجِدُوا بعد أن لم يكونوا في بطون الأمهات، وتنقلت بهم الأحوال فلا بد من صانع، فلما قامت الحجة عدل إلى التمويه ف «قَال إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيكُمْ لَمَجْنُونٌ» سماه رسولاً استهزاءً، ووصفه بالجنون تمويهاً وتلبيساً، وقيل: قال: إنه لمجنون لا يفهم ما يقوله ولا يُفْهِمُنا، وقيل: قال: إنه لمجنون، وإلا فهم علموا يقيناً أنه ليس بمجنون، فزاد موسى في البيان و «قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ» يعني العقل يشهد بصحة ما أقول، فإن كنتم عقلتم فتدبروا لتعرفوا، وقيل: