التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين 192 نزل به الروح الأمين 193 على قلبك لتكون من المنذرين 194 بلسان عربي مبين 195 وإنه لفي زبر الأولين 196 أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل 197 ولو نزلناه على بعض الأعجمين 198 فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين 199 كذلك سلكناه في قلوب المجرمين 200 لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم 201 فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون 202 فيقولوا هل نحن منظرون 203}

صفحة 5389 - الجزء 7

  معجزاً «أَنْ يَعْلَمَهُ» أي: يعلمون محمداً ÷ بصفته ونعته «عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ» قيل: عبد اللَّه بن سلام وأصحابه، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد. قال ابن عباس: بعث أهل مكة إلى اليهود فسألوهم عن محمد. فقالوا: إن هذا لزمانه، وإنا لنجد في التوراة نعته وصفته، فكان ذلك آية على صدقه، وقيل: كانت اليهود تبشر به وتستفتح على العرب به، وذلك كان سبب إسلام أهل المدينة لما سمعوا من اليهود «وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ» أي: لو نزلنا القرآن على أعجم لا يفصح ولا يحسن العربية وإنْ كان منسوباً إلى العرب، وقيل: لو نزلناه على رجل ليس بعربي «فَقَرَأَهُ عَلَيهِمْ» أي: على العرب «مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ» قيل: لَمَا آمنوا به أَنفَةً من اتباع غير العرب، فأنزلناه على عربي من بيت شريف رفيع؛ إزاحة للعلة، وليكون أدْعَى إلى اتباعه وتصديقه، وقيل: لو زاد اللَّه في وجه الإعجاز بأن أظهر القرآن على واحد من العجم وأنطقه لَمَا آمنوا به، عن أبي مسلم. وقيل: لو نزلناه على أعجمي من البهائم لما آمنوا به، عن عبد اللَّه بن مطيع. وقيل: لو أنزلناه على أعجمي لما آمنوا، فنبه أنه نزل على محمد بلغة العرب وهو عربي وهم عرب، فلو كان هو بقوله لقدروا على مثله، فعجزهم على مثله يدل على أن ذلك كلام اللَّه، عن أبي علي. «كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ» قررناه «فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ» اختلفوا إلى ماذا تعود الهاء في قوله: «سلكناه» على قولين:

  أولهما: إلى القرآن يقرأ عليهم النبي ÷، وقيل: بإخطاره ببالهم، وقيل: بألطافه أوصل ذلك إلى قلوبهم؛ لتقوم الحجة عليهم.

  الثاني: التكذيب به والكفر، عن الحسن، وابن جريج، وابن زيد. وقيل: هذا الأوجه له؛ لأنه لم يَجْرِ له ذكر ولا حجة فيه، وإنما الحجة في القرآن، وقيل: تقديره: لو أتى بهذا القرآن أعجمي لما آمنوا وكذبوا به، كذلك إذا أتيت أنت به، والأول الوجه. والمعنى أنه لم يخص بالقرآن المؤمن؛ بل أظهره للكافر، وأَمَرَّهُ بِقَلبه كما أظهره للمؤمن.

  «حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الألَيمَ» الوجيع، قيل: أسبابه من نيران تتأجج لهم يساقون إليها «فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً» يعني العذاب يأتيهم فجأة «وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» لا يعلمون مجيئها «فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ» أي: مؤخرون فلا يؤخرون.