قوله تعالى: {أفبعذابنا يستعجلون 204 أفرأيت إن متعناهم سنين 205 ثم جاءهم ما كانوا يوعدون 206 ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون 207 وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون 208 ذكرى وما كنا ظالمين 209 وما تنزلت به الشياطين 210 وما ينبغي لهم وما يستطيعون 211 إنهم عن السمع لمعزولون 212}
  أبي مسلم. وقيل: إشارة إلى عظم العقاب أي: أَلِمِثْلِ هذا العقاب يستعجل العاقل؟ «أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ» هذا جواب لقولهم: {فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} يعني هَؤُلَاءِ يسألون النظرة، ولو أمهلوا سنين فلم يشتغلوا بما يعنيهم من طاعة ربهم لم ينفعهم ذلك. وقوله: «أَفَرَأَيْتَ» استفهام والمراد التقرير أنه لو متعناهم بطول المهلة وكثرة النعمة سنين كثيرة «ثُمَّ جَاءَهُمْ» ما وعدوا به من العذاب و «مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ» أي: ما كفى عنهم شيئاً من العذاب، وقيل: إشارة إلى أن طول العمر لا يغني ليعمل المكلف لنفسه، وقيل: «مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ» لازديادهم من الآثام واكتسابهم من الإجرام «وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ» ممن قصصنا عليك «إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ» يعني سبق الإنذار بإرسال الرسل وإقامة الحجج «ذِكْرَى» أي: تذكرة لهم وموعظة «وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ» في تعذيبهم؛ لأنهم استحقوا ذلك بجنايتهم بعدما أزحنا عللهم وسبق الإنذار، وقيل: ذكرى نذكرهم نعم اللَّه في الدنيا والآخرة، فإذا جحدوها عذبناهم بظلمهم لا أنا ظالمون بأن نعاقبهم بغير ذنب أو مع عذر «وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ» يعني ما أنزل القرآن بعض الشياطين على الرسول «وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ» أي: لا يجوز كونه منهم «وَمَا يَسْتَطِيعُونَ» أي: ليس في قدرتهم ذلك؛ لأنه غير مقدور لبشر، وقيل: هم خونة، والخائن لا يؤتمن والوحي أمانة، وقيل: لأنهم ليسوا بِأَهْلٍ لذلك ولا لهم ذلك بمقدور، عن أبي علي. «إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ» قيل: من استراق السمع من السماء ممنوعون بالشهب مرجومون، وقيل: عن سماع القرآن، عن قتادة.
  · الأحكام: تدل الآيات على أن الإمتاع الطويل والنعم الكثيرة لا تغني عن عذاب اللَّه سبحانه، فنبه بذلك على أن الذي يدفع العذاب تحمل المشاق في الطاعة، وتكليف النفس ترك المعاصي.
  ويدل قوله: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ} الآيات. على بطلان قول الْمُجْبِرَةِ من وجوه:
  منها: أنه بين أنه لا يهلك أحداً إلا بعد إرسال الحجة، فلوْ كان الكفر مِنْ خَلْقِهِ له لكان ظلماً، حيث عاقبهم على شيء خلقه فيهم.