التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين 20 لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين 21 فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين 22 إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم 23 وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون 24 ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون 25 الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم 26}

صفحة 5421 - الجزء 8

  من المقلوب كأنه قيل: ما للهدهد لا أراه، وقيل: خرج سليمان ليأتي بيت المقدس، [وزار] مكة والحرم، فاحتاج إلى الماء، وتفقد الهدهد. وقيل: أقام بمكة وذبح، وبَشَّرَ الناس بخروج النبي ÷، فلما خرج احتاج إلى الماء للصلاة فتفقد الهدهد «لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا» قيل: تعذيبه نتفُ ريشه، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك. وقيل: ينتف ريشهم، ويلقيهم في الشمس، عن عبد اللَّه بن شداد. وقيل: يلقيهم في وادي النمل، وقيل: لأفارقن بينه وبين إلفه. وقيل: لأودعنه القفص. وقيل: لأمنعنه من خدمتي «أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ» أي: بحجة واضحة تكون له عذرًا في الغيبة «فَمَكَثَ غَيرَ بعِيدٍ» أي: لبث قليلاً، وجاء الهدهد فقال: ما الذي أبطأ بك؟ «فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ» أي: علمت ما لم تعلم أنت، ثم فسر ذلك، وقال: «وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ» قيل: هو حي من أحياء اليمن، وقيل: هو اسم أمهم، وقيل: اسم رجل، وقيل: اسم مدينة «بِنَبَإٍ» بخبر «يَقِينٍ» لا شك فيه «إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ» أي: تملك أهل سبأ اسمها بلقيس، وقيل: وَلَدُها أربعون ملكًا، وملكت بهم اليمن، قال النبي ÷ وذُكِرَتْ بلقيس عنده: «لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، «وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» إخبار عن سعة ملكها فقد أعطيت جميع ما يُحْتاجُ إليه من زينة الدنيا وما يكون من الآلات والعدة والأموال «وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ» أي: سرير ضخم حسن، وكان مقدمه من ذهب مرصع بالياقوت الأحمر والزمرد الأخضر، ومؤخره من فضة مكلل بألوان الجواهر، وقيل: كان ثلاثين ذراعًا في ثلاثين ذراعًا، وطوله في الهواء ثلاثون، عن ابن عباس. وقيل: بل ثمانين في ثمانين في طول ثمانين، عن مقاتل. «وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ» يعني: عبادتهم للشمس «فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ» أي: صدهم عن سبيل الحق «فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ» إلى طريق الحق «أَلَّا يَسْجُدُوا» قد بَيَّنَّا ما قيل فيه، واختلفوا، فقيل: إنه من كلام الهدهد، قال أبو مسلم: يجوز أن يكون من كلام الهدهد تقريرًا وداعيًا