التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين 20 لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين 21 فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين 22 إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم 23 وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون 24 ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون 25 الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم 26}

صفحة 5422 - الجزء 8

  إلى الدين، قاله بحضرة سليمان، وقيل: هو كلام اللَّه تعالى اعْتَرَضَ في الكلام، واختلفوا في السجود، فقيل: المراد سجود الصلاة، وقيل: المراد الاستكانة والخضوع «لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ» قيل: الغيب وهو ما غاب عن الإدراك، يعني: يعلم غيب السماوات والأرض، وقيل: خبء السماء: المطر والرياح، وخبء الأرض: النبات والأشجار «وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ» يعني: يعلم السر والعلانية، فذكر من صفاته ما يختص به ويستحق به العبادة، وهو قدرته على أصول النعم وعلمه بجميع الأشياء «اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» أي: لا شريك له «رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» وقيل: هذا أيضًا من كلام الهدهد، وقيل: بل كلام اللَّه تعالى، ومعنى «رَبُّ الْعَرْشِ» يعني خالقه، وخصه بالذكر لقول الهدهد: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}، وقيل: المراد بالعرش: البناء، أي: له خلق البناء الذي لا يقدر عليه أحد.

  · الأحكام: يدل قوله: {لَأُعَذِّبَنَّهُ} على جواز تأديب غير المكلف كما يؤدب المراهق إذا أساء أدبه، وكما ورد الشرع بأمر الصبيان بالصلاة والضرب عليها، وكذلك للسلطان أن يؤدب مَنْ لم يبلغ حد التكليف استصلاحًا؛ لأنهم أجمعوا أن ذلك الطير لم يكن مكلفًا، ولولا الإجماع لجوزنا كونه مكلفًا، ولكن صار كالمراهق يعلم ما يفعل به وما لأجله يفعل.

  ويدل قوله: {أَحَطْتُ} على عظيم محل العلم، وأن الأنبياء لا يعلمون كل شيء ولا الغيب، حتى خفي على سليمان خبر سبأ، وإذا لم يجب ذلك في الأنبياء ففي الأئمة أولى، فبطل قول الإمامية في ذلك.

  ومتى قيل: كيف خفي على سليمان خبرها مع قرب الدار؟

  قلنا: هذا كان في ابتداء نبوته، وقيل: عرف خبرهم مجملاً، ففصله الهدهد، وقيل: لم يبلغه خبرهم مصلحة، وقيل: ليعلم أن المحيط بالأشياء هو اللَّه تعالى.