التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين 47 فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون 48 قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين 49 فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين 50}

صفحة 5508 - الجزء 8

  · الأحكام: يدل قوله: {وَلَوْلَا} الآية. على أنه تعالى أزاح علة المكلف، وقطع الحجة حتى لم يبق موضع للعذر؛ لأنه بَيَّنَ أن الإرسال [حجة عليهم]، لئلا يتعلقوا بهذا القول في ترك الإيمان، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ من وجوه:

  أحدها: أن عدم الرسول لو كان حجة يتعلق به لكان خلق الكفر والقدرة الموجبة أولى وأبلغ في الحجة، يوضحه أن الإيمان وترك الكفر عندهم موقوف على هذه الأشياء لا على البعثة، ولو خلق الإيمان وإرادة الإيمان ولا رسول في العالم ولا حجة لكانوا مؤمنين، ولو خلق الكفر وقد ملأ العالم بالرسل لا ينفع، أفيكون ذلك عذرًا، وهذا لا يكون عذرًا؟

  ومنها: أنه لم يخلق الكفر ولا منعهم من الإيمان، وإلا لم يكن لهذا القول معنى.

  ومنها: أنه لا يجوز في الحكمة أن يخلق شيئًا، ثم يبعث رسولاً يكلف بإبطال خلقه وإبطال إرادته.

  ويدل قوله: {وَمَنْ أَضَلُّ} الآية أن طريق المعرفة الاكتساب، فالواجب التمسك بالأدلة.

  ويدل على بطلان التقليد؛ لأنه اتباع الهوى.

  ويدل قوله: {لَوْلَا أُوتِيَ} أن المعجز يتبع المصلحة لا الاقتراح له؛ لذلك اختلفت معجزات الأنبياء.

  ويدل قوله: {قُلْ فَأْتُوا} على صحة الحجاج في الدين.

  ويدل قوله: {أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} أن ذلك فِعْلٌ لهم؛ إذ لو خلق فيهم لما اتبعوا أهواءهم؛ لكن اتبعوا ما خلق فيهم.