التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين 56 وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون 57 وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين 58 وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون 59 وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون 60}

صفحة 5517 - الجزء 8

  · الأحكام: تدل الآية أن الفوز والنجاة إنما هو إلى الله تعالى يعطي من استحقه بإيمانه وطاعته.

  ويدل قوله: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ} على صحة الحجاج في الدين.

  وتدل أن ما احتج به فليس بعذر له وأنه أزاح للمكلف كل علة.

  وتدل على بطلان قول الْمُجْبِرَةِ في الاستطاعة والمخلوق والإرادة؛ لأنه لو كان صحيحًا لكان التعلق به أولى، ولما كان تعالى قاطعًا للحجة.

  وتدل على كثرة أعداء الحق، وأن أهل الحق أبدًا في خوف.

  ومتى قيل: هل كان لقولهم جواب سوى ما ورد به القرآن؟

  قلنا: نعم، إلا أنه تعالى أبطل عليهم ما ادعوه بما لا يمكن دفعه، كأنه قيل:

  كيف تخافون مع حفظ الله وقدرته على دفع المضار، ولو قيل لهم: هذا ليس بعذر؛ إذ لو غلبهم وقتلهم وسلبهم الشهادة والجنة فيكون أنفع لكم لكان جوابًا، ولو قيل: ما قدر الدنيا في جنب الآخرة حتى جعل لهم ذلك عذرًا كان جوابًا.

  وتدل أنه لم يعذب بعذاب إلا بعد البعثة قطعًا للعذر، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق والاستطاعة وتكليف ما لا يطاق.

  ويدل قوله: {إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} أنه لا يعذب إلا المستحق، فيبطل قولهم في أطفال المشركين وفي جواز التعذيب ابتداء.

  وتدل آخر الآيات على الترغيب في الآخرة والتزهيد في الدنيا من حيث كانت الآخرة باقية لا تفنى، والدنيا فانية.