التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين 61 ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون 62 قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون 63 وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون 64 ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين 65 فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون 66}

صفحة 5519 - الجزء 8

  «لاَقِيهِ» رفع إلا أنه من بنات الياء، ولا يدخله الرفع، تقول: قاضِيهِ، فإذا لم يكن من بنات الياء تقول: هو ضارِبُهُ وسالمه.

  {إِيَّانَا} نصب ب {يَعْبُدُونَ}، وتقديره: يعبده إيانا، ويعبدون إيانا خبر (كان).

  · النزول: قيل: نزل قوله: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا} الآية، في رسول الله ÷ وفي أبي جهل، عن محمد بن هشام.

  وقيل: نزل في حمزة وعلي صلى الله عليه وفي أبي جهل، عن محمد بن كعب.

  وقيل: نزل في عمار والوليد بن المغيرة، عن السدي.

  وقيل: هو عام في جميع المكلفين، عن أبي علي وجماعة.

  · المعنى: لما تقدم ذكر ما أوتوا من زينة الدنيا عقبه بما وعد المؤمنين وأوعد الكافرين، فقال سبحانه: «أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا» قيل: الجنة وما فيها من النعم «فَهُوَ لاَقِيهِ» مُصِيبُهُ ومدركه «كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ» نفعناه «مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» يعني: زينة الدنيا من الأموال ونحوها؛ لأن نعم الدنيا مشوبة بالغموم وتعرض للزوال، ويعَمَ الآخرة دائمة لا يشوبها ما ينغصها «ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ» للجزاء بالعقاب، وقيل: من المحضرين في النار، فدل بقوله: «أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ» على الثواب، وبين أنه لا يستوي هو جمعِ من يحضر للعقاب «وَيَوْمَ» يعني: يوم القيامة «يُنَادِيهِمْ» أي: ينادي الله تعالى الكفار «فيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ» يعني: الأوثان «الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ» في الدنيا أنهم شركائي وتعبدونهم فأين هم اليوم لا ينصرونكم؟ وهذا نداء توبيخ وتقريع عند الإشهاد بما يوجب الخزي، وقيل: المراد بالشركاء الرؤساء وأئمة الضلالة بمنزلة طاعتهم لهم جعلوهم كالشركاء، وقيل: المراد به الجن، واختلفوا، فقيل: هذا النداء من الله، وقيل: يحتمل ذلك ويجوز أن ينادي مَلَك بأمره فيسمع أهل الجمع «قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيهِمُ الْقَوْلُ» أي: وجب عليهم الوعيد والعقاب، قيل: هم الجن الَّذِينَ كان يعبدهم المشركون بالاتباع،