قوله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون 8 والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين 9 ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين 10 وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين 11}
  · المعنى: لما أمر بمجاهدة الكفار ومباينتهم بَيَّنَ حال الأبوين، فقال سبحانه: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ» أي: أمرناه «بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا» قيل: أن يحسن إليهما حسنًا، وقيل: وصيناه حسنًا «وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»؛ لأنه لا شريك له، فنفى العلم كناية عن تعريه عن الأدلة، فإذا لم يكن عليه دليل لا يحصل العلم فلا يحسن اعتقاده «فَلاَ تُطِعْهُمَا» في ذلك «إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ» أي: مصيركم إلى حكمي «فَأُنَبِّئُكُمْ» قيل: أخبركم، وقيل: أجازيكم «بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» من خير وشر «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ» أي: في زمرتهم وجملتهم، وقيل: في مدخل الصالحين وهو الجنة، عن ابن جريج. وقيل: (في) بمعنى (مع) أي: لندخلنهم مع الصالحين وهم الأنبياء والأولياء.
  ولما ذكر تعالى المؤمن عقبه بذكر ضعفة المسلمين، وقيل: بل عقبه بذكر أهل النفاق، عن أبي مسلم، وهو أوجه، فقال سبحانه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ [فِي اللَّهِ]» في دينه «جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ» أذيتهم، وسماها فتنة؛ لما في احتمالها من المشقة «جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ» أذيتهم وقلة الصبر على احتمالها «كَعَذَابِ اللَّهِ» في الآخرة حتى ترك الحق لأجل أذيتهم، وقيل: جعل فتنة الناس عذابًا من الله ظانًّا أن الله أخل منه الوعد بالنصر، عن أبي مسلم. وقيل: جعل ذلك الفتنة في وجوب الامتناع عن الحق لأجله كعذاب الله في أنه يجب الامتناع عن الباطل لأجله، عن أبي علي. «وَلَئِنْ جَاءَ نَصر مِنْ رَبِّكَ» للمؤمنين يغلبوا الكفار «لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ» في الجهاد طمعًا في الغنيمة «أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ» من الإخلاص في الإيمان والنفاق «وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ» أي: ليظهرن معلومه في الفئتين، وقيل: يعلم المؤمن مؤمنًا في الحال لوجود الإيمان، ويعلم المنافق منافقًا في الحال لوجود النفاق، وقيل: ليميزن الله المؤمن من المنافق، فوضع العلم بموضع التمييز؛ لأنه بالعلم يميز بينهم توسعًا، عن أبي علي.