التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين 33 إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون 34 ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون 35 وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال ياقوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين 36 فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين 37 وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين 38 وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين 39}

صفحة 5567 - الجزء 8

  أي: وكَحَّلْنَ العيون، وقال آخر:

  وَرأَيتِ زَوْجَكِ في الوغَى ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا أي: وآخِذًا رمحًا.

  و (استكبروا) قيل: الكناية ترجع إلى فرعون وقارون، ويجوز أن ترجع إلى جميع مَنْ تقدم، عن أبي مسلم.

  «[كَانَتْ مِنَ] الْغَابِرِينَ» ماضٍ أراد به المستقبل.

  و (أنْ) في قوله: (أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا) صلة.

  {سِيءَ} أصله: من السوء قلبت الواو لانكسار ما قبلها فتحرك.

  «وَأَهْلَكَ» نصب (أهلك) بتقدير: ومنجو أهلك، وإنما أضمر ذلك؛ لأنه لا يعطف ظاهر مجرور على مضمر مجرور.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى تمام قصة لوط، وعطف عليه قصة جماعة من الأنبياء عبرة للمتأمل، فقال سبحانه: «وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا» يعني: جاءت الملائكة لوطًا، فظن أنهم من الإنس؛ لأنهم جاؤوه على صورة الإنس «سِيءَ بِهِمْ» قيل: سيء بالملائكة أي: ساءه مجيئهم لما رآهم في أحسن صورة؛ لما يعلم من خبث قومه وأفعالهم، عن قتادة. وقيل: سيء بقومه؛ أي: ساءه ما يعلم من عظم البلاء النازل بهم «وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا» أي: ضاقت حيلته فيما أراد من حفظهم وصيانتهم، عن أبي علي. وقيل: ضاق قلبه وناله الغم، عن أبي مسلم. فلما رأت الملائكة حزنه وضيق صدره قالوا: «لاَ تَخَفْ» علينا وعليك «وَلاَ تَحْزَنْ» بما نفعله بقومك، فإنا أُرْسِلْنَا